جار التحميل...

°C,
استمرار خوفه بعد سن 3 سنوات يشير إلى وجود "اضطراب الرُّهاب الاجتماعي"

كيفية التعامل مع الطفل الذي يخاف من الناس

11 أغسطس 2024 / 3:55 PM
يُعَدّ خوف الطفل من الناس جزءاً طبيعيّاً من نُمُوّه، وغالباً ما يتحسّن تدريجيّاً مع مرور الوقت؛ نتيجة نُمُوّه وتطورّه في التعامل مع البيئة المحيطة به، ويعود خوف الطفل من الناس في سنّ مُبكّرة إلى تعلُّقه بوالِدَيه، وخوفه من الابتعاد عنهم.

وعادةً ما يبدأ خوف الأطفال من الغرباء في سنّ 8-9 أشهر؛ أي عندما يصبح الطفل قادراً على التمييز بين الأشخاص المألوفين والغرباء، ومع ذلك، فإنّ مدى استمرار هذا الخوف وشِدّته يختلف من طفل إلى آخر، وعادةً ما ينتهي في الغالب عندما يبلغ الطفل سنّ 2-3 سنوات، إلّا أنّ استمرار خوف الطفل من الناس إلى أكثر من ذلك قد يشير إلى وجود ما يعرف باضطراب الرُّهاب الاجتماعي.


وفيما يأتي توضيح كيفية التعامل مع خوف الأطفال من الناس، وبماذا يختلف عن الرُّهاب الاجتماعي:


كيفية التعامل مع الطفل الذي يخاف من الناس من سنّ 5 أشهر لسنتين

يُعَدّ الخوف من الناس بالنسبة إلى الطفل دون سنّ الثانية أمراً طبيعياً؛ فهو جزء من نُمُوّه ومُؤشّر إيجابيّ على تطوره الاجتماعي وبدء تمييزه الأشخاص المألوفين من غير المألوفين، ولتخطّي هذه المرحلة بسَلالة أكبر، يمكن اتِّباع بعض الاستراتيجيات التي يمكن أن تُقلّل خوف الطفل من الناس، وأهمّها منح الطفل شعور الأمان عند لقاء الأشخاص الجُدد؛ بحيث يكون الطفل في حضن مُقدِّم الرِّعاية (أحد الوالِدَين أو أيّ شخص آخر يرعاه)، أو في بيئة مألوفة لديه مثل المنزل، ممّا يمنحه الراحة ويُقلّل شعوره بالخوف من الناس إلى حدٍّ كبير.


ومن المهمّ التدرُّج في تقديم الأشخاص الجُدد للطفل، والتحلّي بالصبر عند التعامل مع الطفل الذي يخاف من الناس؛ فمثلاً، لا يجب تقديم العديد من الأشخاص الغرباء للطفل دفعة واحدة؛ إذ سيشعره هذا الأمر بالخوف والارتباك، ويمكن بدلاً من ذلك تقديم شخص واحد في كلّ مرّة، ممّا يمنح الطفل فرصة التعرُّف على هذا الشخص الجديد ومحاولة التأقلم معه وحده، ومع مرور الوقت، وبمُجرَّد أن يصبح الطفل أكثر راحة مع الآخرين، يمكن البدء في دمجه مع عِدَّة أشخاص معاً.


بالإضافة إلى ضرورة تنبيه الأشخاص الجُدد بعدم حمل الطفل بسرعة دون التمهيد له؛ فالأفضل أن يقترب الشخص الجديد من الطفل ببُطء ويتفاعل معه بطريقة إيجابيّة؛ كأن يبتسم له ويُلاعِبه دون إجبار، ممّا يُتيح له فرصة التأقلم مع الشخص الجديد دون الشعور بالخوف.


وإن كان الطفل في سنّ يستطيع فيه فهم الكلام، فإنّ شرح الوالِدَين أو مُقدِّم الرِّعاية العلاقة بينه وبين الشخص الجديد قد يساعد في تخفيف مخاوف الطفل؛ كأن يقول له: "هذا الشخص هو أحمد، وهو صديقي من فترة طويلة"؛ فالطفل عندما يشعر أنّ والِدَيه مُرتاحان لشخص ما، فإنَّه غالباً ما سيعكس هذه المشاعر هو أيضاً.


كما يُسهم بناء الشعور بالاستقلالية لدى الطفل في تطوير سلوكه الاجتماعي بشكل واضح، وزيادة ثقته بنفسه في التعامل مع الأشخاص الجُدد، وبالتالي تقليل خوفه منهم، ويمكن تحقيق ذلك من خلال السماح للطفل بالاعتماد على نفسه في العديد من المواقف؛ كتناول الطعام، وارتداء الملابس، وغيرها، إضافةً إلى تحفيزه على استكشاف بيئات جديدة للَّعِب، مثل: الحدائق، ورِياض الأطفال، ومراكز اللَّعِب، وغيرها؛ حتى يتعرَّف على وجوه جديدة، ويتفاعل مع أشخاص مختلفين، فيَقِلّ خوفه من الناس.


وعند الرغبة بترك الطفل في مكان جديد أو مع الغرباء، فلا بُدّ من تجنُّب أسلوب التسلُّل أو المُغادَرة دون وداع الطفل؛ إذ سيؤدّي هذا الأمر إلى التسبُّب في خوفه أكثر من الناس؛ لاعتقاده بأنَّه سيُترَك معهم، وقد يكون من المُحرِج أيضاً أن يعود الطفل إلى الوالِدَين أو مُقدِّم الرِّعاية لدى محاولة تركه مع الآخرين، ولكن في هذه الحالة يجب فهم مشاعر الطفل واحتضانه وإشعاره بالأمان، والتحدُّث معه حول المكان الذي يرغب والِداه في الذهاب إليه، والمُدّة التي سيغيبان فيها عنه، وعلى الرغم من أنّ الطفل رُبَّما لن يفهم في البداية، إلّا أنّه ينبغي التحلّي بالصبر حتى يفهم في النهاية.


وأخيراً، يجب أن يكون الوالِدان أو مُقدِّم الرِّعاية على وعيٍ تامّ بأنّ كلّ طفل يختلف عن الآخر، وأنّ الوقت الذي سيستغرقه طفله في التغلُّب على خوفه من الناس سيكون مختلفاً كذلك؛ فمفتاح هذه المرحلة هو الصبر، وتقديم الدَّعم، والمحافظة على الهدوء، والتعامل برفق مع الطفل؛ كاحتضانه عند خوفه، وإعطائه وقته الكافي ليتغلَّب على مخاوفه من الناس دون استعجال، وبهذا يستطيع أن يتجاوز الطفل هذه المرحلة بسلاسة.

كيفية التعامل مع الرّهاب الاجتماعي عند الطّفل 

لمعرفة كيفية التعامل مع الطفل الذي يخاف من الناس في سِنّ أكبر من ثلاث سنوات، يجب التمييز ما إذا كان هذا خوفاً عاديّاً، أم أنّه يُعاني الرُّهاب الاجتماعي، ويمكن اكتشاف ذلك من خلال مُراقَبة الوالِدَين سُلوكَ الطفل في المواقف الاجتماعية؛ ففي الرُّهاب الاجتماعي، لا يقتصر خوف الطفل وقلقه الشديدان على أقرانه الذين في سِنِّه نفسه فحسب، وإنَّما مع الكبار أيضاً، وقد يُعبّر عن هذا الخوف بالبكاء، أو بنوبات الغضب، أو بعدم القدرة على الحركة إطلاقاً، كما يُعيقه الرُّهاب الاجتماعي عن أداء مهامّه اليومية؛ كالذَّهاب إلى المدرسة، واستمرار السلوكات السابقة لدى الطفل في المواقف الاجتماعية لمُدَّة تزيد عن 6 أشهر يعني تشخيصه بالمُعاناة من اضطراب الرُّهاب الاجتماعي.


ولدى إصابة الطفل بالرُّهاب الاجتماعي، يُعَدّ حصول الوالِدَين على المعلومات الكافية المُتعلِّقة بالاضطراب، وزيادة وَعيهم حوله أمراً ضروريّاً لفهم تأثيره على الطفل وكيفية التعامل معه وتقديم الدعم له، كما أنّ عليهما التنسيق مع المُعلِّم والمُرشِد المدرسي؛ لوضع خُطّة تحسينيّة لحالة الطفل الاجتماعية في البيئة المدرسية، والتي قد تشمل استراتيجيات عديدة، مثل: تنظيم جلسات توعية للطلّاب حول الرُّهاب الاجتماعي، وكيفية دعم الزملاء الذين يُعانون منه، ممّا يجعل المدرسة بيئة داعِمة لهم.


ويجب على الوالدين أيضاً التخلُّص من سلوكات الحماية الزائدة تجاه الطفل؛ كالتحدُّث بدلاً عنه في المواقف الاجتماعية، وينبغي عليهم عوضاً عن ذلك إعطاء الطفل الفرصة للتعبير عن ذاته، ومنحه شعور الاستقلالية لدى التحدُّث مع الآخرين، كما يُنصَح بتشجيعه على خوض تجارب جديدة حتى وإن كانت مُربِكة ومُخيفة بالنسبة إليه تدريجيّاً، مع تقديم الدَّعم المعنوي له دائماً؛ كمَدحه وتقدير جهوده في التكيُّف مع المواقف الاجتماعية.


ومن المهمّ اختيار أهداف اجتماعية واقعية للطفل أثناء محاولة دمجه مع الآخرين، وبما يتوافق مع عمره وقدراته، مثل ضَمّه إلى نادٍ رياضيّ، وتعريفه بصديق جديد، كما يمكن تشجيعه على اكتشاف الأنشطة التي تساعده على الشعور بالراحة والسعادة؛ كلَعِب كرة القدم، أو الرَّسم، أو الحِرَف اليَدَويّة، وما إلى ذلك.


ويُعَدّ تمثيل الأدوار نشاطاً مُهِمّاً لتدريب الطفل على المواقف الاجتماعية التي قد تُواجِهه، لذا يجب على الوالِدَين معرفة الأمور والمواقف الاجتماعية التي يراها الطفل صعبة ولا يعرف كيف يتصرَّف فيها؛ كأن يُعرِّف بنفسه لأقرانه بهدف اللعب، فيقول: "أنا أحمد، هل تحبّ أن تلعب معي؟"، وهنا يمكن أن يصنع الأب أو الأمّ سيناريو صغير يتدرّبان عليه مع الطفل كي يصبح قادراً على قول هذه الجملة، ممّا يمنحه الثقة والمعرفة التي يحتاج إليها للتحدُّث مع الآخرين.


ويمكن لتقنيات تهدئة النفس أن تساعد الطفل أيضاً في التغلُّب على شعوره بالخوف؛ كتعليم الطفل كيف يتنفّس بعُمق؛ أي أن يأخذ نفساً عميقاً وهو يَعُدّ إلى الخمسة على أصابعه، ويُخرِجه ببُطء وهو يَعُدّ إلى الخمسة مرّة أخرى، ويمكن تبسيط ذلك له بأن يتخيّل نفسه يشُمّ زهرة عند الشهيق، وينفخ على الشُّموع عند الزفير، وكطريقة أخرى لتهدئة الطفل يمكن استخدام اللعب والضغط على العناصر المحسوسة؛ كالمعجون، أو الكُرات الطرِيّة؛ فعندما يشعر الطفل بالخوف، يمكن لهذا النشاط أن يُخلِّصه من أفكاره القَلِقة، ويساعده على الشعور بالهدوء.


وختاماً، يُعَدّ الاستماع الجيّد للطفل، ومنحه الشعور بالحبّ والدعم والثقة بأنَّه يستطيع التغلُّب على ما يَمُرّ به، من الأمور الأساسية التي تساعد في إدارة الرُّهاب الاجتماعي لديه، مع التنويه إلى أنَّ حالات الرُّهاب الاجتماعي الشديد، وصعوبة تعامل الوالِدَين معه تتطلَّب بالتأكيد المُعالَجة النفسيّة المُتخصِّصة.

المراجع

[1] msdmanuals.com, Social Anxiety Disorder in Children and Adolescents
[2] raisingchildren.net.au, Fear of strangers: babies and young children
[3] tusla.ie, Fear of strangers: Babies and Young Children
[4] repository.poltekkes-kaltim.ac.id, DIAGNOSTIC AND STATISTICAL MANUAL OF MENTAL DISORDERS
[5] verywellmind.com, Social Anxiety Disorder in Children

August 11, 2024 / 3:55 PM

أخبار ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.