جار التحميل...
وإذا كان الشخص ضمن تلك المواقف غير قادر على التواصل مع من حوله بالطريقة الصحيحة وإدراك حقيقة مشاعرهم وعواطفهم، أو عدم ضبطه لانفعالاته كان له تأثير سلبي في تفاعله معهم، هنا يُمكن القول إنّ ذلك يعني الافتقار إلى الذكاء الاجتماعي، لكن هل هذا يعني أنّ الذكاء العاطفي والذكاء الاجتماعي وجهان لعملةٍ واحدة؟ أم أنّ هناك اختلافاً واضحاً بينهما؟
يُجيب عن هذا السؤال الدكتور دانييل جولمان عالِم النفس والصحفي المختصّ بالعلوم السلوكية، والذي ظهر عنده مفهوم الذكاء العاطفي "Emotional intelligence" والمعروف اختصاراً بـ (EI) في كتابه "الذكاء العاطفي"، فقال معرّفاً إيّاه: "هو قدرة الشخص على إدارة مشاعره، إذ يكون التعبير عن تلك المشاعر بشكلٍ مناسب وفعال".
أمّا قاموس جمعية علم النفس الأميركية فيعرّفه بأنّه: "نوع من الذكاء يتضمن القدرة على معالجة المعلومات العاطفية واستخدامها في التفكير والأنشطة المعرفية الأخرى".
ربما أصبح في ذهنك الآن تصوّر واضح حول جوهر الذكاء العاطفي والأساس القائم عليه، وهو القدرة على فهم العواطف وإدارتها واستخدامها بطرقٍ إيجابية للتواصل بفاعلية مع الآخرين، والتغلب على التحدّيات الداخليّة والنفسية، بالإضافة إلى فهم عواطف الآخرين والتعامل معها بالطريقة الصحيحة.
أدرج المنتدى الاقتصادي العالمي المهتم بتشجيع الأعمال مهارة الذكاء العاطفي ضمن قائمة أهم 10 مهارات مطلوبة ينبغي أن يمتلكها الفرد، هذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أهمية الذكاء العاطفي لأيّ فرد في حياته المهنية والشخصية.
فالإنسان بطبيعته يحتاج إلى التعامل مع أشخاصٍ مختلفين عنه وتكوين علاقاتٍ كثيرة، وللنجاح في هذه العلاقات لا بدّ من امتلاك مهارة الذكاء العاطفي، التي تساعد على التواصل الفعّال مع الآخرين، كما يُمكن القول إنّ العاطفة تقود السلوك وتوجهه بدرجةٍ كبيرة، وردود الفعل المختلفة مبنية على مشاعر مختلفة أيضاً.
وعلى صعيدٍ آخر يعدّ تعزيز الذكاء العاطفي مفتاحاً من مفاتيح النجاح في الحياة العلمية والعمليّة وتحقيق الأهداف؛ فالقدرة على معرفة المشاعر والتحكّم بها بوعيٍ وذكاء من شأنّه المساعدة على تجاوز الصعاب والتحديات، من خلال القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة، وإدارة السلوك، والتصرف بطريقةٍ إيجابية نحو تحقيق الأهداف.
يقول أرسطو الفيلسوف اليوناني منذ سنوات مضت -لم يكن الذكاء العاطفي قد ظهر كمفهومٍ بحدّ ذاته بعد-: "يُمكن لأي شخص أن يغضب، وهذا أمر سهل، لكن أن تغضب من الشخص المناسب بالدرجة المناسبة في الوقت المناسب للغرض الصحيح وبالطريقة الصحيحة فهذا ليس بالأمر السهل"، مما يعني أنّه حتى تكون "ذكياً عاطفياً" لا بدّ أن تبذل جهداً لتتمتع بهذه المهارات أو العناصر الأربعة الأساسية:
يعني القدرة على إدراك العواطف، والمشاعر، والحالة المزاجية، وفهمها وكيفية تأثيرها في السلوك، وفي التعامل مع الآخرين، وينشأ هذا الوعي مع التجارب والمواقف التي يمرّ بها الشخص في حياته، فلا بدّ أن يكون ملاحظاً لكلّ ردود الفعل التي تصدر منه، والأحاسيس المرتبطة بها عند كلّ موقف.
تُشير إلى القدرة على التحكّم بالعواطف، وضبطها، وإدارتها، حتى يكون السلوك وردّ الفعل إيجابياً مع كل ما يتعرّض له الفرد أو يتعامل معه في الحياة؛ إذ إنّ العواطف لها تأثير قوي في الآخرين.
جزء أساسي من الذكاء العاطفي امتلاك أدوات ومهارات اجتماعية قوية للتواصل مع الآخرين تساعد على فهم مشاعرهم والتعامل معها بالطريقة الصحيحة، ويُمكن تحقيق ذلك بتسخير كل الحواس للانتباه والتفاعل أثناء التواصل مع أيّ شخص.
تعني القدرة على بناء علاقات قوية وناجحة مع الأشخاص المختلفين وتحسينها، سواءً كانوا أصدقاء أو زملاء عمل، وكذلك امتلاك مهارات جيّدة للتفاوض والتواصل مع الآخرين بهدف التوصل إلى اتفاقٍ يرضي جميع الأطراف، والتعامل مع الصراعات وحلها بشكلٍ بنّاء.
من الصعب الفصل بين الذكاء العاطفي والذكاء الاجتماعي؛ فهما مرتبطان مع بعضهما بنسبةٍ كبيرة، وإن كانت هناك بعض الاختلافات البسيطة، يأتي على رأسها أنّ الذكاء العاطفي عملية تجري داخل الشخص، أمّا الذكاء الاجتماعي فهو عملية تظهر آثارها ونتائجها في المحيط الخارجي، فيُمكن تعريفه بأنّه المهارات الشخصية التي تساعد على الانسجام مع المجتمع بشكلٍ جيد والتعاون مع الآخرين.
لذا من يتمتّع بمهارات الذكاء الاجتماعي يكون أقل تركيزاً -ولو بنسبةٍ قليلة- على عواطفه الشخصية، ويتجه أكثر نحو مشاعر الآخرين وردود فعلهم والقدرة على التفاعل معها، أمّا الذكاء العاطفي فيكون الاتجاه أكثر نحو الذات نفسها وعواطفها بالدرجة الأولى ومن ثمّ عواطف الآخرين ومشاعرهم، وبصورةٍ أبسط فإنّ الذكاء الاجتماعي جزءٌ من الذكاء العاطفي.
وفي هذا الصدد يقول الدكتور دانييل جولمان: "التعاطف والمهارات الاجتماعية هي الذكاء الاجتماعي، وهو الجزء المُتعلق بالتعامل مع الآخرين من الذكاء العاطفي؛ لهذا السبب يبدوان متشابهَين".