جار التحميل...

mosque
partly-cloudy
°C,
السر يكمن فيك أنت

ما هي السعادة الحقيقية؟ ومن أين تبدأ؟

16 يوليو 2024 / 2:28 PM
صورة بعنوان: ما هي السعادة الحقيقية؟ ومن أين تبدأ؟
download-img
السعادة الحقيقية من المفاهيم المبهمة والغامضة، تجول دائماً في فكر الإنسان، والتي ربما لا يجد لها معنى واضحاً أو واحداً بحد ذاته، فقد يرى البعض سعادتهم الحقيقية في الحصول على ما يطمحون إليه، مثل حصولهم على سيارة، أو منزل، أو وظيفة، وقد يراها آخرون شعوراً داخلياً مستمراً مثل الشعور بالامتنان والسلام مثلاً.

لن نستطيع بالطبع أن نلغي أهمية تحقيق الأهداف الشخصية التي نشعر بالفخر عند الوصول لها ونلمح عدّاد السعادة في أعلى مستوياته، لكن لكل جديد فرحته التي ربما تبْهَت مع الأيام، فربما تكون السعادة الحقيقية بالفعل اختياراً شخصياً مستمراً بالرغم من كل الأحداث في الحياة؛ إيجابية كانت أم سلبية، وأن يؤمن الإنسان أنه على قدر المسؤولية والتحدي لكل الصعاب والعثرات، وأن الله يعطيه الخير في نهاية المطاف، فيبتسم رغماً عن كل الظروف.


فيما يلي بعض معاني السعادة الحقيقية من جوانب مختلفة في الحياة، حيث يمكن اتخاذ المفهوم الخاص للسعادة الحقيقية بعد قراءة وجهات النظر المختلفة.

السعادة الحقيقية بأعيُن الخبراء

هناك مجموعة من الخبراء الذين كرسوا حياتهم للبحث في مفهوم السعادة الحقيقية، ظلوا يبحثون ويفكرون حتى صار لكل منهم منهجه الخاص في تعريفها، تماماً كما يمكن أن يكون لأي شخص إيمانه الداخلي الخاص لمفهوم السعادة الحقيقية، ومن هذه التعريفات:

السعادة ليست أشياء نشعر بها بل أشياء نفعلها

هذا كان تعريف الرئيس التنفيذي لمنصة التعلّم Happier ومؤلفة كتاب (أكثر سعادة الآن: كيفية التوقف عن مطاردة الكمال واحتضان اللحظات اليومية) ناتالي كوغان، التي غيرّت مفهومها عن السعادة الحقيقية بعد أن كانت تظن أنها بالإنجازات المادية، حين وجدت بحثاً عن الامتنان، وبدأت في تطبيقه على حياتها، لتكتشف في النهاية أن الامتنان للنِّعم واللحظات الصغيرة في حياتها هو ما جعلها تشعر بالسعادة حقاً، لذا فقد آمنت أخيراً أنّ تحقيق السعادة في الحياة هو قرار شخصي، وأشياء نفعلها بالتدريب المستمر لنحصل على النتيجة التي نريدها.


فكرة: جرّب مثلاً أن تتذكر ثلاثة أشياء تشعر بالامتنان لوجودها كل يوم، واشكر شخصاً واحداً في حياتك على أمرٍ ما، وانظر حولك جيداً لكل الأشياء التي تتجاوزها سريعاً ولا تفكر بها، ربما تجد سعادتك الحقيقية.

الفوز لن يجعلنا سعداء حتى النهاية

إيماناً من مايك ويكينج الرئيس التنفيذي لمعهد أبحاث السعادة، ومؤلف كتاب (دليلك الصغير إلى هيغي: الأسرار الدنماركية لحياة سعيدة) بأن السعادة الحقيقية تكون في الاستمتاع بالرحلة لا بالوصول إلى ما يحلم به الإنسان، فقد عبّر عن السعادة الحقيقية بهذا الشكل، فتبعاً للأبحاث هناك ما يسمى نظرية النقطة المحددة، أي أنّ الشعور الزائد بالسعادة عند حدوث أمر ما في حياة الإنسان سيعود بعد مدة إلى الخط الثابت الذي يسبق هذا الحدث، وعليه فإنّ السعادة تكون في الاستمتاع بالرحلة لا بالحصول على الأشياء.


نصيحة: تخيّل بالفعل أنك تعيش مرة واحدة وأن هذه المرة لها نهاية، والأشياء التي تحدث لك وإن كانت مهمة، فهي فانية، إذاً ربما عليك أن تعرف حقاً كيف تستمتع برحلتك.

السعادة تأتي من الداخل 

"السعادة الحقيقية هي وظيفة داخلية" البعض يؤمنون بأنه يمكن للمرء أن يكون سعيداً حقاً حين يشعر بالسلام الداخلي، ويحب نفسه دون قيود أو شروط، وأن يكون ضمن اللحظة الحالية غير عالق في الماضي ولا متأملاً في المستقبل، أي أن يعيش اللحظة، فالسعادة الحقيقية قد تكون في أن يجد الإنسان ذاته ويكتشفها، أن يعرف ما هو عليه حقاً، وما يرضيه، حتى يستطيع أن يكون سعيداً دائماً في عالمه الخاص، أو أن يتقبل ذاته، ويحبها، ويعيش لحظته مدرِكاً أن اللحظة التي تَعبُر من حياته لن تعود.

السعادة الحقيقية من وجهة نظر علم النفس 

خاض الباحثون والفلاسفة في علم النفس مشواراً طويلاً في رحلة اكتشاف معنى السعادة الحقيقية منذ زمن الفلاسفة القدامى، حتى وصلوا إلى ثلاثة مفاهيم أساسية محتملة لمعاني السعادة الحقيقية، وهي كالآتي:

السعادة الحقيقية تعني المتعة 

يعني أن يحصل الإنسان على أكبر قدر من المتعة في حياته وأقل قدر من الألم، أي الحصول على قدر من الرفاهية حسب وجهة نظر علماء النفس المعاصرين. والمتعة هنا كان لها تعريفاتها المختلفة عبر العصور، والتي تشمل كل مجالات الحياة. فقد كانت قديماً متعلقة بالأحاسيس الجسدية والشهوات، كالطعام، والشراب، وغيرها، ثم صار لها أشكال أخرى مرتبطة بالنفس والعقل، مثل التحفيز الذهني، وتخفيف التوتر، ومشاعر الترابط الاجتماعي، وما يحقق المزاج الإيجابي وغيرها. 

السعادة الحقيقية تعني اليودايمونيا

اليودايمونيا (Eudaimonia) هي كلمة يونانية قد تعني السعادة أو الرفاهية أو الازدهار، وقد نظر بعض الفلاسفة إلى أن السعادة الحقيقية لا تأتي دوماً من المتعة؛ لأنّ المتعة قد تجعل المرء عبداً لشهواته ورغباته، وإنما تتشكل عند تَصرُّف الإنسان بشكل فاضل؛ أي عندما يفعل ما يتوجّب عليه فعله بما يتوافق مع مبادئه، أو من خلال تطوير مواهبه، وتعزيز علاقاته مع من يهتم بهم حقاً، كأن يتطوّع مثلاً تحت الشمس لساعات طويلة، ويشعر بالسعادة فقط لأنه قدّم شيئاً فاضلاً، بالرغم من مخالفته لمفهوم المتعة الجسدي على سبيل المثال.

السعادة الحقيقية تعني اليقظة الذهنية 

هنا صار لعلماء النفس خاصة المعاصرين منهم وجهة نظر ثالثة للسعادة، والتي غالباً ما تكون مرتبطة بالدِّين أكثر من المفاهيم السابقة، حيث يتجاوز الأمر المتعة واليودايمونيا، فقد لا يحقق هذان المفهومان السعادة للجميع، فالسعادة الحقيقية قد تعني اليقظة الذهنية، أي من خلال تنمية الوعي باللحظة التي يعيشها الإنسان الآن، ليكون أكثر رضا وطمأنينة من الداخل دون القلق بشأن الماضي أو المستقبل، والذي غالباً ما يرتبط بمفاهيم تتجاوز المتعة، أو تحقيق الذات، وإنما الثقة بالله بكل ما يختص بتفاصيل الحياة المختلفة، فإنّ اليقين والتوكل في هذه الحالة هما السر للحصول على السلام الداخلي.

السعادة الحقيقية في الأديان

إنّ الأديان عامة لا تلغي فكرة أنّ السعادة هي أن يشعر الإنسان بالإنجاز والرضا والفخر بما يمتلكه من ماديات، فهي من وسائل الراحة والرفاهية في الحياة، لكن الأمر لا يتوقف عندها أيضاً، بل يسمو بها إلى درجات أعلى ترتبط بالروح والقلب، وبالتالي قد تكون السعادة المادية جزءاً من السعادة الروحية، أو في مستوى أقل منها بقليل.


تُعرِّف الأديان السعادة بأنها الإيمان بوجود إله يدير هذا الكون، والتوكل عليه بما لا يقتضي القلق تجاه تحديات وصعاب ومشاق الحياة اليومية، فإنّ الله يدبّر الأمور جميعها، ويرزق الإنسان ما هو خير له، وبالتالي يكون الإنسان أكثر سلاماً وطمأنينة، وفي الوقت نفسه أكثر صبراً، وقوة في مواجهة الحياة، لأنه واثق أن هناك من يحفظه ويحميه.

من أين تبدأ السعادة الحقيقية؟

إنّ مسافة الخطوة الأولى نحو السعادة الحقيقية تكاد تكون صفراً؛ لأنّ السعادة الحقيقية تبدأ من الداخل، دون الحاجة إلى البحث في العالم الخارجي، وانتظار الظروف أو الأشخاص الذين سيجعلون الإنسان سعيداً، وبالطبع هذا لا يعني عدم أهمية كل ما يأتي من الخارج، لكن الفكرة أن يستطيع كل شخص الوصول إلى السلام الداخلي مع جسده وروحه وعقله، فيحبّ نفسه بالرغم من كل شيء، وبالتالي يشعر بالسعادة، لأنه ببساطة مؤمن بنفسه، ومتقبل لذاته، ولا يمكن لشيء أن يهزّ رضاه عن نفسه بسهولة.


فيما يأتي بعض الخطوات العملية التي يمكن من خلالها أن يجد أي إنسان سعادته الحقيقية:

ممارسة عادة الامتنان

إنّ التقدير للنِّعم والمواقف التي تحدث مع الإنسان خلال اليوم يمكن أن يزيد من شعوره بالرفاهية والسعادة، لذا فمن المهم ممارسة عادة الامتنان بشكل منتظم، حتى يستطيع الوصول إلى الشعور بمشاعر مختلفة، مثل التعاطف، والتفاؤل، وحتى يعزز طاقته الداخلية، وبالتالي يشعر أنه سعيد من الداخل.

اتخاذ قرار السعادة

ربما يتساءل أي إنسان بينه وبين نفسه، فيما إذا كانت السعادة قراراً بحقّ، لكنها بالفعل كذلك؛ لأنّ الإنسان بطبيعته مُخيَّر، يختار ويقرر آلاف المرات تجاه تفاصيل يومه، إذاً عليه أن يكون واعياً لنفسه، وأن يقرر أن يكون سعيداً، بحيث يسيطر على أفكاره، ويفعل كل ما بوسعه حتى يحقق مفهوم السعادة الحقيقية.

التركيز على الحاضر 

غالباً ما يربط الناس سعادتهم بأحلامهم وطموحاتهم التي ستتحقق في المستقبل، وينسون أن يركزوا على ما يحدث لهم الآن، وهو ما قد يجعلهم مجرد أشخاص يطاردون الأوهام، فالمستقبل يليه مستقبل آخر، والأحلام تتلوها أحلام أخرى، وهذا لا يعني ألا يحلم الإنسان ويسعى لمستقبله، ولكن ربما عليه أن يستمتع في اللحظات الحالية أيضاً، سواءً في العمل أو مع الأصدقاء والعائلة وحتى مع نفسه.


على الإنسان أن يكون مدركاً لعلاقة غياب ذهنه عن الواقع بالضغوطات النفسية والتوتر، وكل هذه المشاعر السلبية التي قد تقلل من مستوى سعادته، ففي دراسة أجراها المعهد الوطني للصحة عام 2020 اتضح أنّ هناك علاقة واضحة بين الضغط النفسي والشرود عن الواقع، ما يعني أنّ التركيز على الحاضر قد يعزز من الشعور بالسعادة.

البحث عن التوازن 

الإنسان هو عقل وروح وجسد، ووجود أي خلل في هذه العناصر الثلاثة قد يؤثر في المزاج ومدى الشعور بالسعادة، لذا على كل شخص يبحث عن السعادة الحقيقية أن يفكر جدياً في تحقيق التوازن بين هذه العناصر في الوقت نفسه؛ فيهتم بصحته الجسدية والنفسية، ويطور عقله، ويعزز علاقته بالله أكثر.


في النهاية يعدّ مفهوم السعادة مفهوماً واسعاً، ولكل إنسان تجربته وشخصيته، ومع أنّ المفاهيم عديدة ومختلفة لكن المهم هو أن يجد كل شخص فينا طريقه الخاص ليكون سعيداً.

 

المراجع

[1] morningcoach.com, What Is True Happiness?
[2] health.com, 6 Experts Explain What It Means To Be Happy and the Types of Happiness, 
[3] positivepsychology.com, How to Find True Happiness (According to Psychology)
[4] pewresearch.org, Are religious people happier, healthier? Our new global study explores this question
[5] myvitawellness.com, 8-ways-find-true-happiness

 


July 16, 2024 / 2:28 PM

مواضيع ذات صلة

أخبار ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.