فهم المحسوبية: من الواسطة إلى الفساد الإداري

ما العلاقة بين الواسطة والمحسوبية؟ 

على الرغم من شُيوع ارتباط الواسطة بالمحسوبية، فإنّ الواسطة تُعَدّ أكثر شمولاً، والمحسوبية هي أحد أشكالها السلبيَّة؛ أي إنّ الواسطة ليست دائماً سلبية؛ إذ تتمثَّل بتقديم المساعدات والتسهيلات في المجالات المختلفة بالاعتماد على المنصب أو المسؤولية، لكنَّها قد تكون أخلاقيَّة وإنسانيَّة دون تفضيل، بل قد تكون أيضاً تبعاً للكفاءات الأكثر جدارة، أمّا عند الاعتداء على الحقوق والإضرار بالأكثر استحقاقاً وحاجة، والاعتداء على العدالة والمساواة، فإنّها بذلك تكون سلبيَّة تماماً.

فعلى سبيل المثال، قد يلجأ شخص إلى وساطة صديق يعمل لدى جهة حكومية؛ لتسريع إجراء مُعيَّن؛ بسبب بعض العوائق، دون أن يُؤثِّر ذلك في حقوق الآخرين، وهنا لا تُعَدّ الواسطة سلبيَّة، أمّا إن استُخدِمَت الواسطة؛ لتعيين غير المُؤهَّلين من الأقارب في وظيفة ما على حساب الأكثر جدارة من الغرباء، فهو مثال واضح على المحسوبية.

وتنتشر المحسوبية والواسطة السلبية في المجتمعات؛ لعوامل عِدَّة، منها: ضعف الرقابة والمُساءلة، وغياب الشفافية والنزاهة، بالإضافة إلى الضغط الاجتماعي من قِبَل الأقارب، وضعف الوازع الديني، والخوف من فقدان الحُقوق بالطرق الرسمية.

الفساد الإداري المُتمثِّل بالمحسوبيّة 

بناءً على مبدأ تطبيق المحسوبية في استغلال المكانة والمنصب، فإنَّها تُعَدّ من أشكال الفساد الإداريّ؛ إذ إنّ تفضيل غير ذي الكفاءة في التعيينات الوظيفيّة يخلق جوّاً من عدم الثقة بأدائه، ويُثبِّط المسؤولين عن الاستثمار في تدريبه وتفويضه لأداء مَهامّ جديدة؛ ممّا يُعيق عملية الإدارة الفاعلة، ويُعطِّل سَير العمل.

وقِلَّة الكفاءة والمهارات في العمل تُؤدّي أيضاً إلى ضعف الأداء والإنتاجية، وصعوبة تحقيق الأهداف في المؤسسات، بالإضافة إلى التأثير في قدرة المؤسسات على تقديم الخدمات بالمُستوى المطلوب، وهو ما يؤدّي إلى تآكل ثقة المواطنين بمؤسسّات المجتمع، والشعور بالظلم؛ ممّا يدفع ذوي الكفاءة إلى البحث عن فرص في الخارج، والهجرة إلى مجتمعات أخرى تتبنّى المهارات بالتماشي مع مبادئ العدل والمساواة، وهو ما قد يُضعِف الأداء والتنمية الاقتصاديَّة في مؤسسات المجتمع.

وقد يتسبَّب الفساد الإداريّ المُتمثِّل بالواسطة والمحسوبيّة في شُيوع ممارسات فاسدة، مثل اللجوء إلى الرشوة؛ لتسهيل المعاملات، عدا عن دور الفساد الإداريّ في تسهيل السرقة والتعدّي على المال العامّ.

طُرق مكافحة المحسوبية 

تتطلَّب مكافحة المحسوبية اتِّباع منهج يشمل استراتيجيات عِدَّة؛ لضمان تطبيق العدالة، والحَدّ من الفساد والواسطة السلبيَّة، بما في ذلك تعزيز الشفافيّة والنزاهة في الأعمال والخدمات المختلفة، مثل: الإشراف، ومراقبة الموظفين في ما يتعلَّق بتطبيق المُساواة بين المُراجعين في المؤسسات، واستغلال التكنولوجيا في إنشاء تطبيقات إلكترونية؛ لإنجاز المعاملات بدِقَّة وحِيادية.

ويُعَدّ تشريع القوانين الرادعة والصارمة أمراً مُهِمّاً أيضاً، إلى جانب مُحاسَبة المُتورِّطين بالفساد وممارسات الواسطة السلبية والمحسوبية، بالإضافة إلى تشديد الرقابة على القرارات التي يتَّخِذها المسؤولون والموظَّفون في المؤسسات، وتطبيق معايير واضحة للجدارة والكفاءة في التعيين، والتقييم الوظيفيّ، والترقيات، وتطبيقها على مَن يطلب المعاملة التفضيليَّة من المواطنين.

بالإضافة إلى ضرورة نشر الوعي بالعواقب السلبية للفساد والمحسوبية؛ أخلاقياً، واقتصادياً في مؤسسات العمل، والمؤسسات التعليميَّة، ووسائل الإعلام، وعقد الدورات التدريبيَّة، والتوعية بطرق تقديم الشكاوى، ومتابعتها تحت ظلّ التشريعات القانونية، إلى جانب تعزيز الوعي بتعاليم الإسلام المُتعلِّقة بالمحسوبية والتعدّي على الحقوق، وتنمية الوازع الديني، والرقابة الذاتية؛ للالتزام بهذه التعاليم.   

المراجع

[1] explore.darwinbox.com, Nepotism
[2] repository.najah.edu, الواسطة والمحسوبية بين الواقع والتجريم 
[3] u.ae, السلام والعدل والمؤسسات - عدم وجود فساد أو رشوة
[4] aliftaa.jo, حكم الواسطة والمحسوبية 
[5] seu.edu.sa, الواسطة