ظاهرة الكتابة المعكوسة عند الأطفال: الأسباب والعلاج

في ما يأتي أهمّ أسباب هذه الظاهرة، وطرق علاجها:

أسباب ظاهرة الكتابة المعكوسة: العوامل المؤثرة والتفسيرات العلمية

تتعدَّد العوامل التي تؤدّي إلى ظهور الكتابة المعكوسة لدى الأطفال، وفي ما يأتي أبرزها:

استخدام اليد اليُسرى: المَيل الفِطريّ نحو العكس

تظهر لدى الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليُسرى في الكتابة قابلية خاصَّة للكتابة المعكوسة، ويشترك معهم في هذه الخاصية الأشخاص الذين يتحدَّثون لغات تُكتَب من اليسار إلى اليمين؛ إذ يمتلك هؤلاء الأفراد قدرة غير عادية على إنتاج هذا النمط من الكتابة، ويُعَدّ استخدام اليد اليُسرى من أكثر العوامل المُرتبِطة بهذه الظاهرة؛ ممّا يُشير إلى وجود علاقة قوية بين توجُّه اليد المُستخدَمة في الكتابة، والقدرة على إنتاج الكتابة المعكوسة بسهولة.

انخفاض مستوى الوعي: تأثير حالات فقدان التركيز

تظهر الكتابة المعكوسة في الحالات التي يتراجع فيها مستوى الانتباه والتركيز لدى الطفل؛ كفترات الشرود الذهني، أو التعب، أو النُّعاس؛ ففي هذه الأوقات يضعف تحكُّم الدماغ في توجيه حركة الكتابة بشكلها الطبيعي؛ ممّا قد يُؤدّي إلى ظهور الكتابة المعكوسة بصورة عابرة.

تأخُّر النُّضج الدماغي: صعوبة إدراك الاتِّجاهات

يحتاج الدماغ في مراحل النُّمُوّ المُبكِّرة إلى وقت كافٍ لتطوير فهم واضح لمفهومَي اليمين واليسار، وعادةً ما يكتمل هذا النُّضج بين سنّ الخامسة، والثامنة، وخلال هذه الفترة، من الطبيعيّ أن يواجه الأطفال صعوبة في تمييز الاتِّجاهات أثناء الكتابة، ومع استمرار النُّمُوّ الدماغي، وتكرار ممارسة الكتابة، تتحسَّن قدرة الطفل على فهم الاتِّجاهات، وتختفي الكتابة المعكوسة تدريجياً.

الاضطرابات الدماغية: دور التأخُّر العقلي وصعوبات التعلُّم

قد تظهر الكتابة المعكوسة ظهوراً ملحوظاً لدى الأطفال المُصابين بالتأخُّر العقلي، إلى جانب أنّها مُنتشِرة عند الأطفال الذين يُعانون صعوبات التعلُّم، وترتبط هذه الظاهرة بعُسر القراءة النَّمائي؛ إذ يواجه هؤلاء الأطفال صعوبات مُتزاِمنة في القراءة والكتابة، ومن الجدير بالذكر أنّ العديد من الأطفال المُصابين بعُسر القراءة يتمتَّعون بقدرات معرفية طبيعية أو مُتفوِّقة في مجالات أخرى.

التدخل والعلاج: استراتيجيات تصحيح الكتابة المعكوسة

تختلف طرق معالجة ظاهرة الكتابة المعكوسة باختلاف أسبابها وشِدَّتها، وفي ما يأتي بعض الاستراتيجيات المستخدمة في تصحيح هذه الظاهرة:

تعزيز التفكير المكاني

يُعَدّ تطوير التفكير المكاني أساساً مُهِمّاً في معالجة الكتابة المعكوسة؛ إذ تُركِّز هذه الطريقة على تحسين قدرة الأطفال على إدراك مواقع الأشياء في الفضاء المُحيط بهم، ويمكن تنفيذ هذا التدريب عبر ممارسة أنشطة بسيطة في البيئة المألوفة للطفل، مثل الوقوف عند مدخل غرفة ووصف مواقع الأثاث والأشياء فيها.

ثمّ تُطرَح أسئلة تدريجية عن العلاقات المكانية بين الأشياء؛ بدءاً من الأسئلة البسيطة، ووصولاً إلى الأكثر تعقيداً، ومع تكرار هذه التمارين، يتحسَّن فهم الطفل للعلاقات المكانية تدريجيّاً؛ ممّا ينعكس إيجاباً على قدرته في تحديد الاتِّجاه الصحيح للكتابة.

تعدُّد وسائط الكتابة والممارسة العملية

تُشكِّل ممارسة الكتابة عبر الوسائط المُتنوِّعة منهجاً علاجياً فعّالاً في التغلُّب على الكتابة المعكوسة؛ إذ يبدأ الطفل بالتدرُّب على رسم الأحرف في الهواء بوصفها خطوة أولى سهلة وممتعة، ثمّ ينتقل تدريجياً إلى الكتابة على أسطح مختلفة الملمس؛ كالسبّورة البيضاء، وصواني الرمل؛ ممّا يساعده في تطوير مهارات التكامل البصري الحركي لديه.

ويمكن تنظيم جلسات تدريبية قصيرة ومُتكرِّرة تُراعي قدرات الطفل واهتماماته، وتُتيح له فرصة استكشاف الكتابة بأدوات مُتنوِّعة في جَوّ مُريح وداعم؛ ممّا يُسهم في ترسيخ الصورة الصحيحة للحروف في ذهنه، وتحسين مهاراته الكتابية تدريجيّاً.

التعلُّم التدريجي والممارسة المُنظَّمة للحروف

تُمثِّل العودة إلى أساسيات تعلُّم الحروف والكلمات نهجاً فعّالاً في علاج الكتابة المعكوسة؛ إذ يمكن استخدام القوالب المُخصَّصة لتتبُّع الحروف بوصفها أداة تعليمية مساعدة، ويمكن أيضاً تشكيل الكلمات باستخدام المُكعَّبات التعليمية، وتتضمَّن هذه الطريقة تمارين تفاعُلية تساعد في توضيح أهمِّية الكتابة بالاتِّجاه الصحيح.

فعلى سبيل المثال، يمكن كتابة حرف "س"، ثمّ تكليف الطفل بإضافة حرف "ل" إلى يساره، ثمّ إضافة حرف "م"؛ لتتشكَّل لديه كلمة "سلم"؛ ممّا يُوضِّح له أهمِّية الكتابة من اليمين إلى اليسار في اللغة العربية، ويمكن تطبيق التمرين ذاته في اللغة الإنجليزية بكتابة حرف "c"، ثمّ إضافة حرف "a" إلى يمينه، ثمّ إضافة حرف "t"؛ لتشكيل كلمة "cat"، وتساعد هذه التدريبات الطفل في فهم أهمية الكتابة فهماً صحيحاً؛ لتكوين كلمات ذات معنى.

وفي الختام، يُعَدّ فهم ظاهرة الكتابة المعكوسة وأسبابها خطوة أساسية في تطوير برامج تعليمية وعلاجية فاعلة؛ إذ يُسهِم التشخيص المُبكِّر، والتدخُّل المناسب، في تجنُّب تأثيراتها السلبية على المسيرة التعليمية للأطفال، بالإضافة إلى أنّ التعاون بين المُختَصِّين والأهل يُعزِّز فرص نجاح العلاج، ويدعم تطوُّر مهارات الكتابة الصحيحة لدى الأطفال.

المراجع
[1] pmc.ncbi.nlm.nih.gov, Mirror writing: neurological reflections on an unusual phenomenon
[2] jnnp.bmj.com, Mirror writing: neurological reflections on an unusual phenomenon
[3] edubloxtutor.com, Letter Reversals and Mirror Writing – Signs of Dyslexia?
[4] parentry.com, What Is Mirror Writing In Children And What To Do With This
[5] smartparenting.com.ph, My Child Is Writing In Reverse: Sign Of Genius Or Is Something Wrong?