جار التحميل...
يعدّ العُنف الأسري مجموعة من السلوكات المُسيئة والمُؤذِية التي يمارسها أفراد الأسرة بعضهم ضِدّ بعض، وتمتدّ آثارها السلبية إلى الأطفال، والأسرة، والمجتمع، وفي ما يأتي أبرز هذه الآثار:
يتأثَّر الأطفال الذين ينشؤون في بيئة يسودها العُنف الأسري على الصعيدَين؛ النفسي، والجسدي، وتختلف هذه التأثيرات باختلاف الفئة العُمرية للطفل؛ فمثلاً، قد يُعاني الأطفال دون سِنّ المدرسة مشكلات نفسية مختلفة، مثل: التبوُّل اللاإرادي، والتلعثُم بالكلام، ومَصّ الإبهام، بالإضافة إلى البكاء والصُّراخ.
أمّا الأطفال في سِنّ المدرسة، فقد يكونون أكثر عُرضة للانعزال الاجتماعي، وتراجع الأداء المدرسي، وتدنّي احترام الذات، بينما قد يميل المُراهقون إلى إظهار سلوكات عُدوانية، أو التورُّط في إدمان المُخدِّرات والممنوعات.
وتظهر بعض الآثار السلبية أيضاً على شكل أعراض جسدية، مثل: الصُّداع، وآلام المعدة، واضطرابات الأكل والنوم، وقد يُصاب الأطفال عامَّة باضطرابات نفسية، مثل: اضطرابات القلق، والاكتئاب، ومُتَلازمة ما بعد الصدمة، بالإضافة إلى زيادة احتمال إصابتهم بأمراض صِحِّية، مثل: السُّمنة، والسكّري، وأمراض القلب، في مرحلة البلوغ.
ويظهر التأثير السلبي والعميق في سلوك الأطفال نتيجة العنف الأسري ضمن أشكال أخرى مُتنوِّعة، مثل: رؤية الكوابيس، وصعوبة التركيز، وضعف الشخصية، والتعرُّض للتنمُّر، أو ممارسة التنمُّر على أقرانهم، والميل إلى الهروب من المنزل، وغيرها.
لا يُؤثِّر العُنف الأسري على الضحية المُستهدَفة فقط، بل يمتدّ ليشمل أفراد الأسرة جميعهم؛ فالأجواء المشحونة بالعُنف اللفظيّ، أو الجسدي، تخلق جَوّاً يسوده الخوف والقلق، وهذا بدوره يُؤدِّي إلى تدهوُر الروابط الأسرية، وفُقدان الثقة بين أفرادها، إلى جانب أنّ الصِّراعات اليومية تُصبح جزءاً من روتين الحياة، ويُصبح التواصل والتفاهُم أمراً بالغ الصعوبة.
وبسبب تلك الصِّراعات الدائمة قد تتفكَّك الأسرة، وترغب الضحية أو أفراد الأسرة المُتأثِّرين من الصِّراع في الانفصال عن المُعنِّف؛ تجنُّباً للمزيد من الأذى، مثل: الطلاق، أو التنقُّل باستمرار؛ هَرَباً من المُعتَدي؛ ممّا يُسبِّب عدم الاستقرار في حياتهم، وزيادة الضغط النفسي والجسدي عليهم، لا سِيَّما عند تدخُّل أطراف خارجية، مثل: الشرطة، أو حماية الأسرة.
والأطفال الذي يكبرون في بيئة يُمارَس فيها العُنف ضِدُّهم أو ضِدّ أحد الوالِدَين تتأثَّر شخصيّاتهم وسلوكاتهم كثيراً؛ إذ يبنون مُعتقَدات أساسها أنّ القوَّة والسيطرة هما أساس التعامل مع الصِّراعات والمشكلات.
وعلى سبيل المثال، قد يُصبح الأبناء الذكور الذين يُشاهدون الوالد وهو يُسيء إلى والدتهم أكثر عُرضة لمُمارَسة السُّلوك العنيف مع زوجاتهم في المستقبل، أمّا الفتيات اللواتي يكبُرن في البيئة المُعنَّفة نفسها، فإنَّهنّ قد يُطوِّرن مفاهيم مُشوَّهة حول العلاقات العاطفية؛ ممّا يُعرِّضهم أكثر للإساءة بمختلف أشكالها من أزواجهم في المستقبل، وهذا بدوره يُمهِّد الطريق لتكرار تجربة العُنف المنزلي، ويُؤدّي إلى المزيد من الأُسَر المُفكَّكة.
يمتدّ تأثير العنف الأسري إلى خارج جدران المنزل ليصل إلى جوانب مُتعدِّدة في المجتمع؛ فالأطفال والبالغون الذين ينشؤون في بيئة أُسَرية عنيفة قد ينقلون تجربتهم السلبية إلى أماكن أخرى -مثلاً-، مثل: المدرسة، أو مكان العمل؛ ممّا يُصعِّب عليهم بناء علاقات إيجابية وبنّاءة، أو قد يُمارسون سلوكات عُدوانية إجرامية على أفراد المجتمع، إلى جانب أنّ زيادة العنف الأسري وآثاره السلبية تزيد مُعدَّلات تعاطي المُخدّرات.
ويتحمَّل المجتمع من الناحية الاقتصادية تكاليف باهظة للتعامل مع العنف الأسري، ومُعالَجة آثاره السلبية؛ إذ تشمل هذه التكاليف الرعاية الصحِّية لعلاج الإصابات الجسدية والنفسية، وإعادة تأهيل الضحايا والناجين، وتكاليف النظام القضائي للتعامل مع القضايا المُتعلِّقة بالعنف الأسري، وتكاليف الحماية الاجتماعية والأسرية، إلى جانب تأثُّر الإنتاجية للضحايا؛ بسبب مشكلاتهم النفسية والجسدية، والغياب المُتكرِّر عن مكان العمل أو الدراسة؛ ممّا يزيد العبء الماليّ على المجتمع كلِّه.
وختاماً، تتطلَّب مواجهة العنف الأسري تشارُكاً في الجهود من الأفراد والمجتمعات؛ لتقديم الدعم والعلاج إلى الضحايا، وخاصَّة الأطفال الذين تعرَّضوا لتجارب تعنيف، أو شاهدوا أحد والديهم يتعرَّض للعنف الأسري؛ من خلال إبعادهم عن البيئة المُسيئة، وتعليمهم كيفية بناء علاقات صِحِّية، ووضع الحدود الشخصية، بالإضافة إلى إلحاق الضحايا ببرامج الدعم المُختَصَّة التي تُقدِّم العلاج النفسي اللازم للتعافي.
المراجع
[1] verywellmind.com, How Witnessing Domestic Violence Affects Children
[2] betterhelp.com, What Are The Effects Of Domestic Violence On The Family?
[3] dcj.nsw.gov.au, The effects of domestic and family violence
[4] womenshealth.gov, Effects of domestic violence on children
[5] nexusfamilyhealing.org, Domestic Violence: Impact on Families, Children, and Communities