جار التحميل...
فالصواب -وفقاً للتسامح الفكريّ- هو عدم الحكم على الطرف الآخر بخطئه أو صوابه، إنّما مجرّد الاعتراف بحقّه في امتلاك طريقة تفكير مختلفة، مع إمكانية الخوض في نقاشات فكرية قائمة على الاحترام، وبهذا فإنّ التسامح قيمة نقيضة للتعصّب أو التحيّز، وتكمن أهميته فيما يأتي:
يُبنى التسامح الفكريّ على العديد من القيم المهمة، مثل: الاحترام، والتقدير، والتعاطف، مما يقوّي الروابط بين أفراد المجتمع، ويُعزّز العلاقات الاجتماعية والمهنية، كما أنّ انتشار مثل هذه المشاعر يُعزّز من شعور الإنسان بأهمية آرائه وقيمتها، وهذا يزيد من ثقته بنفسه، ومن شعوره بالرضا عنها، ويُعزّز تقديره لذاته، مما يُشجّعه على المشاركة أكثر في المجتمع، وتقديم المزيد من الآراء التي يُمكن أن تُسهم في بنائه وتطوّره.
إضافةً إلى ذلك فإنّ الشخص الذي يُشعره المجتمع بالاحترام والتقدير غالباً ما سيُقدّم للآخرين مثلها، وسيحترم معتقداتهم هو الآخر بالمقابل، لذا فإنّ التسامح الفكريّ وما يحمله من إيجابيات سيعود على كافّة أفراد المجتمع بالخير والمنافع المتبادلة.
من ناحيةٍ أخرى يُحقّق التسامح الفكريّ العدالة عن طريق منح جميع أفراد المجتمع حقوقهم الإنسانية، وفق مبدأ المساواة باعتبارهم مواطنين، بصرف النظر عن توجّهاتهم، أو أفكارهم، أو معتقداتهم، وهو ما يُنمّي مشاعر الانتماء، وما يرتبط بها من مشاعر حبٍّ للوطن، ورغبة في حمايته، وبنائه.
إنّ الوجود في مجتمع يحترم أفراده آراء بعضهم البعض من شأنه تعزيز مشاعر الأمان، سواء في المنزل، أو المدرسة، أو العمل، إذ سيكون بإمكان الشخص التعبير عن نفسه بحريّة، دون الخشية من حكم الآخرين عليه، أو ممارسة التمييز ضدّه، كما أنّ التسامح الفكري يضمن النقاش بأسلوبٍ لطيف ولبق بعيداً عن الشتائم، وبالتالي فإنّ نهاية النقاش ستكون آمنة بعيدةً عن العنف أو الاعتداء.
يُمكّن التسامح الفكريّ الأفراد من تبادل الأفكار المختلفة، بما فيها غير المألوفة، أو غير التقليدية، في أجواءٍ صحّية، ولهذا أهمية كبيرة تتمثل فيما يلي:
عن طريق الاطّلاع على الآراء المختلفة، يُمكن إدراك فكرة أنّ لا أحد يمتلك الحقيقة المُطلقة، وأنّ الحقيقة يُمكن أن يكون لها أكثر من وجه، كما أنّ هناك حاجة غالباً للحصول على أكثر من وجهة نظر للحكم على موقف معيّن، وتشكيل رأي سديد حوله.
ومن شأن هذا جميعه توسيع مدارك العقل، وجعله قادراً على التفكير بشكلٍ أكثر حكمة وعقلانية في كافّة أمور الحياة، إلى جانب تعزيز جوانب الإبداع نتيجة التفكير خارج الصندوق، وبالتالي تعزيز القدرة على حلّ المشكلات بشكلٍ مبتكر.
علاوةً على ذلك يُمكن من خلال التعرّف إلى أفكار الآخرين معرفة التجارب الحياتية المختلفة التي مرّوا بها، وشكّلت لديهم هذه المعتقدات، وبالتالي فإنّها فرصة للتعلّم ممّا يحملونه من خبرات، والاستفادة منها عن طريق استخدامها للنموّ والتطوّر على المستوى الشخصيّ.
ولا يُشترط في التسامح الفكريّ التعرّف إلى أشخاص مختلفين فقط وجهاً لوجه للاستفادة من خبراتهم، بل يُمكن أن يتّسع ليشمل أيضاً القابلية للاستماع إلى التجارب التي مرّت بها بعض الشخصيات الناجحة، التي تحمل أفكاراً مختلفة عن طريق البرامج التلفزيونية، أو البودكاست، أو غيرها.
إنّ حرية التعبير عن الرأي التي يمنحها التسامح الفكري بعيداً عن الاستفزاز أو الرغبة في إجبار الآخر على تغيير رأيه، من شأنها السماح للأفراد بالتعرّف إلى مفاهيم جديدة قد تكون ذات حجّة قويّة، والتي قد تدفع لإعادة النظر في الرأي الحالي، وتبنّي رأي جديد مشترك بدلاً من الانشغال في الهجوم والتحدّي.
من جهةٍ أخرى يُمكن للأفراد المُختلفين في أفكارهم اكتشاف أوجه شبه فيها عند النقاش، وفي هذه الحالة يُمكن التركيز عليها للوصول إلى رأي مشترك، مما يقوّي العلاقات، ويزيد من الترابط المجتمعي.
ختاماً إنّ التسامح الفكريّ لا يعني الموافقة على أفكار الآخرين أو الخضوع لها، إنّما يعني منحهم الحرية الكاملة في التفكير بالطريقة التي يُريدونها، ما لم تُسبب أذىً للآخرين؛ فالأفكار المتطرّفة أو التي تحرّض على العنف أو الكراهية؛ جميعها أفكار غير مقبولة، ولا يُمكن التسامح معها، بل إنّها نقيضة لجوهر التسامح الفكريّ.
المراجع
[1] online.maryville.edu, The Value of Different Perspectives in Professional and Learning Environments
[2] ofhsoupkitchen.org, Why Is It Important to Respect the Opinions of Others?
[3] councilfordisabledchildren.org.uk, Respect people’s opinions to build their self-esteem
[4] pro-papers.com, The Importance of Respect for Others