جار التحميل...
أما التعايش، فيُعرَف بأنّه عيش مجموعات متنوعة من الناس في البقعة الجغرافية نفسها، بتفاهم وإيجابيةٍ وسلامٍ واحترام، واشتراكهم في أساسيات الحياة المختلفة، كالمأكل، والمشرب، وغيرها، على الرغم من اختلافهم في الأديان، والمذاهب، والأعراق، والمبادئ، والأفكار، بحيث يعرف كل شخصٍ واجباته وحقوقه دون التأثير في الآخرين.
وبهذا يُمكن استنتاجُ أنّ التسامح والتعايش مصطلحان مترابطان، يُعزز كلٌّ منهما الآخر، فما أهميّة التسامح والتعايش والتواصل مع الشعوب الأخرى؟
يُسهم التسامح والتعايش في معالجة المشاكل الناتجة عن الاختلافات بين الأفراد والشعوب، ويُعزز مبادئ قبول الآخرين واحترامهم بغض النظر عن توجهاتهم الفكرية أو الدينية أو العرقية، وهذا يُسهم بدوره في الحد من الانقسامات الفكريّة والمذهبية، التي قد تؤدي إلى صراعات ونزاعات عديدة، يمكن أن تتفاقم لتصل إلى حروب ومظاهر عنف متنوعة.
وتظهرُ أهمية التسامح والتعايش بجلاء في الأمثلة العديدة لشعوب اختارت المشاكل والنزاعات لحل خلافاتها، مما أدى إلى نشوء حروب أهلية ومذهبية وطائفية، أثرت سلباً في استقرارها، ووقفت عائقاً في وجه تقدمها، الأمر الذي عزَّزَ الحاجة إلى تمكين مبدأ التسامح والتعايش كضرورة أساسية لاستقرار المجتمعات.
ومنذ القِدم كان الاختلاف والتعدد جزءاً لا يتجزأ من الفطرة والطبيعة البشرية، وهذا الاختلاف يتطلب البحث عن أساليب جديدة ومتنوعة، تتيح التعارف والتواصل والتفاهم بين أفراد المجتمع، بهدف تحقيق التكامل بين الناس وبناء عالمٍ أفضل، وهكذا أصبح التسامح والتعايش بين الشعوب ضرورة ملحّة، للمضي نحو مستقبل مشترك يعزز الروابط الاجتماعية والإنسانية بين الشعوب، ويزيد من فرص التواصل السلمي، الذي يهدف إلى خلق الاستقرار والطمأنينة.
أما تطبيق مبدأ التسامح والتعايش، فيختلف باختلاف أنواعه، إلا أن جوهره يبقى واحداً، فمثلاً يمكن تحقيق التعايش الديني من خلال الاعتراف بوجود الأديان الأخرى، والتعامل بود وحوار وتفاهم مع أتباعها، دون الحاجة إلى الاعتراف بصحة تلك الديانات أو المعتقدات. في حين يتطلب التعايش العرقي احترام الأعراق المختلفة، وعدم الإساءة إليها، أو التفاخر بالعرق بشكل مبالغ فيه، أو التمييز بين الناس اعتماداً على أعراقهم.
ومن الجدير بالذكر أنّ حماية الأقليات الدينية أو العرقيّة، ودمجهم في المجتمع، أمرٌ لا بد منه، لتحقيق المساواة بين الجميع.
"لا مستقبل لهذه المنطقة بدون إعادة إعمار فكري يرسخ قيم التسامح والتعددية والقبول"، صاحب السُّمُوّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي.
وتمثيلاً لرؤية دولة الإمارات في اعتماد قيمة التسامح كقيمة عليا، ومنطلق أساسي للرؤية المستقبليّة، واستمراراً لما نشأت عليه الدولة منذ تأسيسها على المبادئ والقيم العُليا، والتي تُعزّز التسامح والتعايش بين شعوب العالم، أصبحت الدولة مثالاً يُحتذى به في التسامح والتعايش حول العالم.
حيث يزورها سنويّاً ملايين السياح، ويعيش على أرضها ما يزيد عن 200 جنسيّة متنوعة ومختلفة، يعيشون حياةً كريمة يملؤها الاحترام والقبول، وذلك بفضل العديد من المبادرات التي أطلقتها الدولة، من أجل ترسيخ قيم التسامح والتعايش بين الناس، ومن أبرزها ما يأتي:
أعلن مجلس الوزراء الإماراتي في سنة 2016، عن إطلاق "البرنامج الوطني للتسامح"، الذي يهدف إلى الاعتدال، والتسامح، والسلام، واحترام الآخر، ويعتمد البرنامج على سبعة أركان أساسيّة، وهي: الإسلام، والقيم المشتركة، والآثار والتاريخ، والدستور الإماراتي، والمواثيق الدوليّة، والفطرة الإنسانية، بالإضافة إلى إرث زايد والأخلاق الإماراتية.
ويضم البرنامج مجموعة من المحاور الأساسيّة التي يسعى إلى تنفيذها، من خلال فِرَق عَمَلِه المتنوعة، وهي تشمل؛ إثراء المحتوى الثقافي والعلمي، وتعزيز دور الأسرة في بناء المجتمعات، وترسيخ دور حكومة الإمارات باعتبارها حاضنة للتسامح، والتركيز على فئة الشباب بترسيخ مبادئ التسامح لديهم، ووقايتهم من التصرفات التطرفية والتعصبية، بالإضافة إلى المشاركة في الجهود الدوليّة التي تحث على تعزيز قيم التسامح.
أعلن صاحب السُّمُوّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، عن تشكيل وزاري جديد في الحكومة الاتحاديّة، شمل استحداث منصب "وزير التسامح والتعايش" في سنة 2016، تأكيداً منه على أهميّة هذه الوزارة في ترسيخ قيم التسامح والتعايش الثقافي، والفكري، والديني، والطائفي، وتقبّل التعدديّة، وقبول الآخر.
إيماناً بأهميّة قيمة التسامح في دولة الإمارات، وبهدف جعل الدولة عاصمة عالميّة للتسامح، أعلن المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان "رحمه الله" في ديسمبر 2018، بأنّ عام 2019 هو عام التسامح في دولة الإمارات، وتضمّن هذا الإعلان التركيز على بعض المحاور الأساسيّة للتسامح؛ ومنها: التركيز على الجيل القادم بزرع قيم التسامح، والحوار، والانفتاح على المجتمعات والثقافات الأخرى.
إضافةً إلى إصدار سياسات وتشريعات تُعزز التسامح الديني، والاجتماعي، والثقافي، مع إطلاق مبادرات إعلامية لتعزيز خطاب التسامح.
المراجع
[1] hbku.edu.qa, نظرية التسامح من منظور الدبلوماسية القرآنية
[2] upliftingsyrianwomen.org, Coexistence: Concept and Importance
[3] pchr.gov.ae, التسامح
[4] u.ae, مبادرات التسامح
[5] almaany.com, تعريف ومعنى تسامح في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي)