جار التحميل...
فتغيير المسار الوظيفي يعني تغييراً جذرياً في المُسمّى الوظيفي، والمجال الذي يعمل فيه الشخص، وليس فقط تغيير مكان العمل؛ كأن يترك مُعلِّم وظيفته في التدريس ليعمل في مجال التسويق، فهل هذا ممكن حقاً؟
نعم هو أمر ممكن، لكنَّه ليس سهلاً كما يبدو للبعض؛ إذ ينبغي ألّا تكون عملية تغيير المسار الوظيفي عشوائية، وإنّما يجب وضع خُطَّة مدروسة، وتقييم الجوانب والأمور التي ستترتّب على هذا القرار جميعها، واتِّباع استراتيجيات عِدَّة لتجنُّب الفشل، ومنها الاستعداد النفسي للتغييرات التي سترافق هذه المرحلة، وفهمها جيّداً، وغيرها الكثير من الإجراءات والخطوات المُوضَّحة في السطور الآتية:
قرار تغيير المسار الوظيفي لا يُولَد عَبثاً؛ إذ لا بُدّ من وجود أسباب منطقية تدفع الموظف نحو اتِّخاذ هذا القرار المصيري، ولا شكّ في أنّ الصدق مع النفس في البداية أمر ضروريّ؛ فكما أنّ لكلّ مؤسسة سلبيات يرغب الموظّف في التخلُّص منها عند تغييره مساره الوظيفيّ، هناك إيجابيات عليه أن يكون قادراً على تركها وراءه دون أن يندم أيضاً، وهذا التقييم والتحليل للوضع الوظيفيّ الحالي يُعَدّ الخطوة الأولى نحو بدء تنفيذ قرار تغيير المسار المهني؛ أي هل هناك حاجة فعليّة إلى التغيير، أم أنّ الأمر مُجرَّد غضبٍ من موقف مُعيَّن في العمل، أو عدم إعجاب بشخصية المدير مثلاً؟
وتُعَدّ هذه الخطوة تابعة وذات صلة مباشرة بالخطوة التي تسبقها؛ فبعد تقييم الوضع الوظيفي واتِّخاذ القرار بالتغيير، تأتي خطوة تحديد الأسباب؛ لأهمّيتها في تحديد المسار الذي ينبغي أن يسلكه الموظف في البحث عن وظائف؛ فمثلاً تُعَدّ الرغبة الشخصية من الأسباب المهمة التي تُحفِّزه على التغيير؛ فالتقييم الذاتي للمهارات الصلبة والناعمة على حدا سواء بعيداً عن العاطفة يُعَدّ بنداً أساسياً يُبنى عليه نجاح الخطوات اللاحقة؛ لأنّ الوظيفة الجديدة ستكون مختلفة تماماً عمّا كان يعمل فيه الشخص طوال حياته، وهنا يكمن التحدّي.
كما يمكن أن يكون الدافع للتغيير مادّياً، وهذا من أكثر الدوافع انتشاراً في المؤسسات المختلفة، خصوصاً لدى شعور الفرد بعدم تناسب العائد المادّي مع الجهد المبذول، إضافةً إلى أنّ شعوره باستنزاف الوقت قد يتولَّد مع عدم القدرة على تحمُّل ضغط العمل، وحينها قد يُفضِّل البحث عن بديل أكثر راحة يمكن معه تخصيص وقت شخصي بعيداً عن العمل.
بينما يبحث البعض عن تحقيق الذات بممارسة الأعمال التي تُحدث تغييرات واضحة في العالَم من حولهم، وهذا من خلال الوظائف التي يمكن معها التركيز على التعامل مع الناس، وتقديم المساعدة لهم بطريقة ما، وقد يكون هذا الهدف النبيل أحد الدوافع القوية التي تزيد من رغبة الشخص في تغيير المسار الوظيفي في بعض الأحيان.
لا بُدّ من الموازنة بين الرغبة وحاجة السوق عند اتِّخاذ قرار بتغيير المسار الوظيفي، والبحث جيّداً عن القطاعات التي تشهد نُمُوّاً مُتَزايداً، والوظائف الأكثر طلباً، مع مراعاة أن تكون في الوقت نفسه متوافقة مع رغبة الموظَّف وإمكاناته، ودراستها من جوانبها جميعها قدر الإمكان؛ للتأكُّد من عدم وجود السلبيات التي كانت في الوظيفة السابقة ودفعت الشخص إلى أخذ قرار التغيير، ولتحديد المهارات والمعرفة اللازم امتلاكها، وتوجيه البوصلة نحو الطريق الصحيح.
وفي الوقت الحالي، قد تكون الوظائف المرتبطة بمجال تكنولوجيا المعلومات هي الأنسب، من حيث الطلب المتزايد عليها؛ نتيجة التطوّر التكنولوجي والتقني الذي يشهده العالم، ومن حيث العائد المادّي المناسب، وإمكانية التطوّر في هذا المجال.
وبعد ذلك، لا بُدّ من وضع قائمة بالوظائف والمسارات المهنية المُحدَّدة بعد البحث جيّداً؛ لإجراء تقييم شامل لها، وتحديد الأنسب من بينها؛ إذ ينبغي البحث الذاتي بجدّ عن تفاصيل المهن المختلفة وأسرارها التي تقود إلى النجاح فيها، إلى جانب استشارة ذوي الاختصاص وأصحاب الخبرة الطويلة في سوق العمل؛ للتحقُّق من حاجة السوق إلى الوظيفة، ومقارنتها بالإمكانات المُتاحة، وتحديد قابليتها للتطوير بما يتناسب مع المطلوب.
بعد تحديد المسار المهني الجديد، لا بُدّ من بدء التعلُّم، أو التدريب العملي عند عدم وجود خلفية سابقة ومهارات كافية، أو عند امتلاك مهارات مُعيَّنة في حاجة إلى التطوير، كما يمكن البدء بمُسمّى مُتطوِّع؛ بهدف اكتساب الخبرة؛ للوصول إلى المعرفة الكافية، والقدرة على إثباتها، مع الحرص على التخطيط لهذه المرحلة، وجدولتها من الناحية الزمنية.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الشخص لا بدّ أن يكون منطقياً في اختيار الوظيفة التي يرغب فيها قبل أن يبدأ بتطوير مهاراته؛ إذ من غير الممكن أن يُقرّر بصورة مفاجئة أن يصبح رائد فضاء على سبيل المثال؛ فهذه من الوظائف التي تتطلَّب تنظيماً ومساراً مُحدَّداً لا يمكن الدخول إليه بتخصيص بعض الساعات لبناء مهارات وتطويرها بنجاح في أيّ مرحلة.
قد يتسلَّل الإحباط إلى الشخص بعد اتِّخاذ القرار بإجراء تغييرات مهمة في حياته، وخصوصاً إذا كانت النتائج الإيجابية تتطلَّب وقتاً طويلاً، وللاستمرار بقوّة، ينبغي عدم الاستسلام في منتصف الطريق؛ حتى لا يظلّ الشخص بلا وظيفة قديمة ولا جديدة، لذا لا بُدّ من التحلّي بالصبر، وتحفيز الذات باستمرار؛ باتِّباع إجراءات عِدّة؛ ككتابة الإنجازات أوّلاً بأوّل مهما كانت بسيطة؛ للاطِّلاع عليها، واعتبارها انتصارات استحقّت المغامرة عند تغيير الوظيفة.
يمكن تغيير المسار الوظيفي بنجاح في أيّ عمر؛ إذ قد يُغيّر الشخص نظرته لمفهوم الوظيفة المناسبة مع تقدُّمه في العمر؛ فما يُناسب أولئك الذين تجاوزوا الثلاثين من وظائف قد لا يُناسب من تجاوزوا الخمسينات، كما أنّ ما يستطيع أولئك الذين تجاوزوا الثلاثينات إنجازه يحتاج إلى الخبرة التي لا يمتلكها حديثو التخرُّج، أو مَن هم على مقاعد الدراسة في العشرينات من أعمارهم، أمّا تغيير المسار في الأربعينات والخمسينات من العمر، فعلى الرغم من المجازفة الكبيرة خلالهما، إلّا أنّه أمر ممكن، مع ضرورة أخذ الاحتياطات اللازمة، ووجود مصدر مالي بديل؛ لتفادي المخاطر المُتوقَّعة.
يُعَدّ تغيير المسار الوظيفي أمراً صعباً غالباً كما أُشير إليه في البداية، إلّا أنّه قد يكون أكثر صعوبة في بعض الحالات؛ ومثال ذلك، التحوُّل من المسار العسكري إلى المدني؛ فبعد قضاء وقت طويل في الحياة العسكرية المُقيَّدة بالأنظمة، لا بُدّ أن يواجه الفرد العديد من عند تحوُّله إلى العمل المدني، ومع ذلك، ينبغي عدم الاستسلام، والمثابرة للتكيُّف، وتحقيق الأهداف المهنية المطلوبة عند وجود رغبة فعلية.
وختاماً، لا بُدّ أن تشكّل الوظيفة الجديدة في المسار المهني الجديد نقطة تحوُّل إيجابية في حياة الفرد؛ فهي ليست مُجرَّد تغيير مُسمّى وظيفي، وقد يستغرق الأمر وقتاً، لكنَّه يستحقّ المغامرة حتى بعد تجاوز عمر 40 عاماً.
المراجع
[1] indeed.com, 9 Steps To Change Your Career Path at Any Age
[2] comptia.org, Need a New Career? How to Change Careers at 30, 40, 50
[3] extension.harvard.edu, 5 Tips for Changing Careers.
[4] brightonsbm.com, 5 Steps to Successfully Change Your Career Path at Any Age
[5] coursera.org, How to Prepare for a Career Change: Step-by-Step Guide.