جار التحميل...
قد تؤدّي الأمّية إلى استبعاد بعض الأفراد من محيطهم، ممّا ينعكس سلباً على تدنّي احترامهم لذواتهم وثقتهم بأنفسهم، بالإضافة إلى محدودية القدرة في الحصول على المعلومات الأساسية وفهمها، ومن الصعب على الأُمّي إيجاد عمل، أمّا إن وجده، فسيكون دخله منخفضاً، ووظيفته أقلّ جودة، وقد لا يحصل على ترقية أبداً؛ لأنَّه لا يملك الخبرات المطلوبة، وعلى الرغم ممّا سبق، يُحسِّن محو الأمية نوعية الحياة، ويدعم القدرات والمهارات الشخصية، ممّا ينعكس إيجاباً على وضع الأفراد وأُسَرهم الصحّي والتعليمي.
يعني محو الأمية تعلُّم القراءة والكتابة، وهناك عِدّة وسائل يمكن من خلالها تحديد معايير مَن يعرف القراءة والكتابة، ومَن لا يعرفها؛ فمثلاً، قد يُعَدُّ الشخص الذي يستطيع قراءة الحروف الأبجدية، أو قراءة اسمه، وكتابته فقط، مُتعلِّماً في بعض المجتمعات، إلّا أنّها تعني عموماً القدرة على قراءة مجموعة واسعة من الموادّ، وكتابتها، وفهمها، أمّا الآن، فقد توسَّع المفهوم ليشمل إجراء عمليات حسابية بسيطة، بالإضافة إلى مَحو الأُمّية الرقمية، والصحية، والثقافة المالية، والإعلامية وغيرها.
ويُشير مفهوم مَحو الأُمّية وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) إلى: "سلسلة متواصلة من التعلُّم طوال الحياة، وتطوير المعارف والإمكانات؛ لتمكين كلّ فرد من تحقيق أهدافه، والمشاركة الكاملة في مجتمعه المحلي والمجتمعات الأخرى".
ومن الجدير بالذكر أنّ محو الأمية جزءٌ أساسي من حقّ الإنسان في التعليم، ويشمل مختلف الفئات العمرية، بما في ذلك الأطفال الذين لم يلتحقوا بالتعليم أصلاً، أو الذين تسرّبوا من التعليم قبل إتمام مرحلة التعليم الأساسي، أو الكبار الذين لم تسمح لهم الظروف بالتعليم في سنّ مُبكِّر.
هناك عِدّة أنواع من محو الأمية في الوقت الحاضر، ولكلٍّ منها تعريف مُعيَّن، وفيما يأتي بعضٌ منها:
من المُؤكَّد أنّ محو أُمِّية القراءة والكتابة لا يزال أساسياً لتعلُّم الثقافة الرقمية، وبالنظر إلى الوسائل الجديدة والمُتغيِّرة باستمرار والتي تُستخدَم فيها التكنولوجيا لتلقّي المعلومات وتوصيلها، فإنّ المعرفة الرقمية أصبحت تشمل نطاقاً أوسع من المهارات، لذا ظهر مُصطلح محو الأمية الرقمية (Digital literacy)؛ ويعني تعلُّم المهارات الأساسية؛ لاستخدام جهاز الحاسوب بثقةٍ وأمانٍ وفعاليّة، بما في ذلك استخدام البرامج المكتبية؛ لمعالجة النصوص، والتعامل مع البريد الإلكتروني، والقدرة على استخدام مُتصفِّح الويب؛ للوصول إلى المعلومات، وفهمها، وتقييمها، وإنشائها على نحو آمِن.
يُعَدُّ الشخص أُمّيّاً وظيفيّاً عندما لا يتمكّن من المشاركة في الأنشطة التي تتطلّب القراءة والكتابة والحساب في مكان عمله، أو في مجتمعه، أو المشاركة فيها ضمن حدود ضيّقة، أو لا يستطيع تطوير نفسه، ولا تحسين قدراته، ويشير مُصطلح محو الأمية الوظيفية (Functional Literacy) إلى تمكين الفرد من قراءة النصوص الأساسية التي تُصادفه في حياته اليومية، مثل اللافتات، والأسعار في السوق المحلّية، والقدرة على ملء النماذج الرسمية الموجودة في المؤسسات الحكومية، أو في مكان العمل، وطلب المُشتَريات عبر الإنترنت؛ أي أنَّها تضمن ممارسة الشخص حياته اليومية بسهولةٍ وسلاسة.
الثقافة الصحية هي الإمكانية التي يتمتع بها الأفراد؛ للحصول على المعلومات، والخدمات الصحية الأساسية، وفهمها، وتطبيقها على نحو صحيح، وقد ازدادت أهمية محو الأمية الصحية (Health Literacy) حاليّاً؛ لأنَّ القدرة على معرفة موثوقيةِ علاجٍ ما أمرٌ مهمّ جدّاً؛ بسبب انتشار المُؤثِّرين في مجال الصحّة عبر الإنترنت، وترويجهم كثيراً من إعلانات الموادّ الطبّية الزائفة، وتتطلّب المعرفة الصحية فهم الشخص المفردات المُتعلّقة بالصحّة، بوجود فهم أساسي لعلم الأحياء، والكيمياء؛ للتمكُّن من قراءة المحتوى الطبّي منطقيّاً، وفهمه، لا قراءته لغويّاً فقط.
محو الأمية المعلوماتية أو الإخبارية (Information Literacy) مجموعة من القدرات التي تمنح الفرد إمكانيةَ التعرُّف إلى حاجاته؛ للحصول على المعلومات، والقدرةَ على تحديد المعلومات المطلوبة، وتقييمها، واستخدامها بفعالية، ويستند إلى قدرة الشخص على فهم المعلومات الجديدة التي يقرؤها، وتقييمها بصورة نقديَّة؛ أي معرفة المعلومات المُزيَّفة من الصحيحة؛ بفهم المفردات، والتراكيب النحوية المستخدمة، ممّا يجعله مُرتبطاً بأنواع محو الأمية السابقة، وأنواع المعرفة المختلفة؛ سواء كانت صحّية، أو سياسية، أو اقتصادية، أو رقمية؛ للتمكُّن من البحث في الإنترنت، والتحقُّق من المعلومات.
التعليم ليس محصوراً في المدارس أو المراكز الحكومية والخاصة فقط، وإنّما هو عملية تراكمية تبدأ من المنزل، وتستمرّ بعد ذلك بالحصول على مستوىً لائق من التعليم، وفيما يأتي توضيح أكثر لدور العديد من الجهات الأخرى في محو الأمية:
يتمثّل الإجراء الحكومي الوحيد طويل الأجل الذي يُمكنه القضاء على الأمية بتوفير تعليم عالي الجودة، ومجّاني، وإلزاميّ للأطفال جميعهم، حتى لأولئك الذين لم يتمكَّنوا من التعلُّم في صغرهم، وينبغي على الحكومات أن تزيد استثماراتها في التعليم؛ لضمان التعليم للجميع، وتوفير الموارد المناسبة للطلاب جميعهم، وإخضاع المعلمين لدورات تدريبية تتعلّق بالأساليب المتنوعة الخاصة بتدريس القراءة والكتابة، والمشاركة مع المنظمات الدولية؛ لتطوير مسارات التعليم في البيئات الرسمية وغير الرسمية لتشمل الفئات الأقلّ حَظّاً في المناطق البعيدة عن الخدمات.
وفي هذا الصدد، يُشار إلى جهود دولة الإمارات العربية المتحدة في محو الأمية؛ إذ أطلقت مؤسسة المعرفة لصاحب السُّمُوّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، مبادرة (تحدّي محو الأمية في العالم العربي)، بالتعاون مع منظمة اليونسكو، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 2017؛ بهدف توفير مُقوِّمات التعليم ومحو الأمية لنحو 30 مليون شابّ وطفل عربي حتى العام 2030.
يبدأ تعليم الطفل بتنمية مهارات القراءة والكتابة لديه مُبكِّراً في مرحلة ما قبل المدرسة، وتُعَدُّ مُؤشِّراً موثوقاً للنجاح الأكاديمي لاحقاً، وعلى الوالِدَين التركيز على تطوُّر الطفل المعرفي؛ بإشراكه في أنشطة حركية وعقلية، مثل فرز الأشكال المختلفة، ومطابقة الأشكال المتشابهة، وغيرها، بالإضافة إلى تشجيعه على اكتساب اللغة؛ بقراءة القصص له يومياً، ويُفضَّل احتواؤها على رُسوم توضيحية؛ حتى يتمكَّن من الاندماج في القراءة.
وختاماً، تنتج الأُمّية عند الأفراد لأسباب مختلفة، وقد تكون مرتبطة بالأسباب التي تَحُدُّ من محو الأمية؛ لأنَّها سلسلة من الحواجز التي لا يُمكن التغلُّب عليها في بعض الأحيان، بما في ذلك المعاناة من اضطراباتٍ مُعيَّنة تُسبِّب صعوبة في التعلُّم؛ كاضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD)، أو التوحُّد، أو المعاناة من فقدان السمع، أو الرؤية، وقد يكون ناتجاً عن إهمال الوالِدَين للطفل، وعدم الإصرار عليه لتعلُّم القراءة والكتابة، بالإضافة إلى الفقر، واحتياج الفرد إلى الخروج من المدرسة للعمل في سِنّ مُبكِّرة؛ بهدف توفير دَخلٍ لأسرته.
المراجع
[1] unesco.org, What you need to know about literacy
[2] literacypittsburgh.org, Challenges of Low Literacy
[3] uis.unesco.org, Literacy
[4] labtoclass.com, The Types of Literacy Students Need Most
[5] ei-ie.org, Resolution on Education for All and Combating Illiteracy