جار التحميل...

mosque
partly-cloudy
°C,
أهم المحطات

التطور التاريخي لحقوق الإنسان

01 أكتوبر 2024 / 11:36 AM
التطور التاريخي لحقوق الإنسان
download-img
يُعَدّ مفهوم حقوق الإنسان نتاج تطوُّر تاريخي طويل عبر الحضارات والثقافات المختلفة، وقد أسهمت الأديان والفلسفات والثورات والحروب في بلورة هذا المفهوم وتطويره على مرّ العصور.

وتُعرَّف حقوق الإنسان بأنَّها الحقوق المُتأصِّلة في الطبيعة البشرية، والتي ترتبط بالفرد لمُجرَّد كونه إنساناً، وهي ضرورية لتطوير شخصيّته وقدراته، وتلبية احتياجاته، كما تُعَدّ هذه الحقوق عالمية وأساسية؛ لضمان كرامة الإنسان وحُرّيته في كلّ مكان، وفيما يأتي أبرز المراحل التي مرَّ بها تطوُّر مفهوم حقوق الإنسان عبر التاريخ.

الجذور القديمة لحقوق الإنسان: أُسُس الكرامة الإنسانية

تمتدّ جذور مفهوم حقوق الإنسان عبر تاريخ الحضارات المختلفة؛ إذ عكست العديد من الثقافات القديمة اهتماماً بكرامة الإنسان وحقوقه الأساسية؛ فطوَّر المُفكِّرون اليونانيون القُدَماء مفهوم "القانون الطبيعي"، أو "الحقّ الطبيعي"، مُشيرين إلى أنَّ الإنسان يمتلك بصيرة فِطرية تُمكِّنه من التمييز بين الخير والشرّ، وإدراك القِيَم المُطلَقة، وقد تجلّى هذا الفكر في الممارسة العملية؛ إذ تمتَّع المواطنون اليونانيون بحقوق أساسية؛ كالمساواة أمام القانون، والاحترام المتبادل، وحُرّية التعبير.

كما أسهمت الحضارات المختلفة عبر التاريخ في تطوير مفاهيم حقوق الإنسان؛ إذ نجِد في الكتابات الهندوسية القديمة، والشرائع البابلية، والكتب المُقدَّسة للإسلام والمسيحية وغيرها، مبادئ تدعو إلى العدل والمساواة، وعرفت الحضارات القديمة في الأميركيَّتَين؛ كالإنكا، والأزتك، أنظمة للعدالة تعكس اهتماماً بحقوق أفراد المجتمع.

ومن أبرز الأمثلة على تطوُّر مفهوم حقوق الإنسان في الحضارات القديمة قانون حمورابي الذي صدر في بابل القديمة؛ إذ احتوى هذا القانون على العديد من النصوص التي تهدف إلى حماية حقوق الأفراد، وقد ألزم القانون حاكم المدينة بتحمُّل مسؤولية الحفاظ على الأمن والاستقرار، وحماية ممتلكات المواطنين، كما نصَّ على وجوب تعويض الشخص الذي تعرَّض للسرقة من قِبَل السُّلطات، وتناول القانون أيضاً قضايا الرعاية الصحّية، كما أرسى قانون حمورابي دعائم نظام قضائي مُتقدِّم؛ ليكون مرجعاً للناس في حماية حقوقهم.

وشكَّلت هذه الأفكار والممارسات القديمة الأساس الذي تطوَّر عليه مفهوم حقوق الإنسان الحديث الذي ينظر إلى هذه الحقوق باعتبارها مُتأصِّلة في الطبيعة البشرية، وهي حقوق ثابتة وأساسيّة لا يمكن سلبها من الإنسان أو التنازل عنها.

في العصور الوُسطى: ميلاد الوثائق الحقوقية

شهد القرن الثالث عشر الميلادي حَدثاً بارزاً في تاريخ حقوق الإنسان مع صدور وثيقة "الماجنا كارتا" أو "الميثاق العظيم" في إنجلترا عام 1215، وهي تُعَدّ من أهمّ الوثائق التي مهَّدَت الطريق لتطوُّر النُّظُم الدستورية والديمقراطية الحديثة، كما تُعَدّ نقطة تحوُّل مهمّة في مسيرة الحُرّيات الفردية؛ فقد جاءت هذه الوثيقة باعتبارها رَدّ فعل على تجاوُز الملك جون للقوانين والأعراف السائدة آنذاك؛ إذ أجبرَه رعاياه على التوقيع عليها.

وكانت الوثيقة قد تضمَّنت عدداً من المبادئ التي أصبحت لاحقاً ركائز أساسية لحقوق الإنسان، ومن أبرزها: حماية حقوق الملكية للمواطنين الأحرار، والحَدّ من فرض الضرائب التعسُّفية، كما أرسَت أُسُس العدالة والمُساواة أمام القانون، ووضعت قُيوداً على السُّلطة الملكية؛ بحَظر المُمارَسات الفاسدة؛ كالرشوة، وإساءة استخدام المنصب.


قبل الثورتَين؛ الأميركية، والفرنسية: تبلوُر الفكر الحقوقي الحديث

شهِدَت الفترة التي سبقَت الثورتَين؛ الأميركية، والفرنسية، تطوُّرات مهمّة في فلسفة حقوق الإنسان؛ إذ ظهرت أفكار جديدة تتعلَّق بالحقوق الطبيعية؛ فبرز خلال هذه الفترة مُفكِّرون مُؤثِّرون، من أبرزهم: توماس هوبز، وجون لوك، اللذان قدَّما رؤى مختلفة حول طبيعة هذه الحقوق.

وبينما رأى هوبز أنَّ القانون الطبيعي غامض ومفتوح على تفسيرات واسعة، اعتُبِر لوك شخصية مِحوَريَّة في تطوُّر فِكر حقوق الإنسان؛ إذ قال إنَّ لكلّ إنسان الحقّ في الحياة، والحُرّية، والملكية، وهي أفكار أصبحت أساسية في فهم حقوق الإنسان لاحقاً.

وأدَّت هذه الأفكار الفلسفية إلى إصدار وثائق مهمّة في تاريخ حقوق الإنسان؛ فإعلان الاستقلال الأميركي عام "1776" عكس أفكار لوك بوضوح، مُؤكِّداً المساواة، وحقّ الحياة، والحُرّية، والسَّعي إلى السعادة، وبعد ذلك بفترة قصيرة، جاء إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي "1789"، الذي نصّ على الحقوق الطبيعية الأساسية للإنسان، والتي لا يمكن سلبها أو التنازل عنها، مُعزِّزاً بذلك المفاهيم التي طوَّرها المُفكِّرون السابقون.

القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين: عصر المعاهدات الدولية

شَهِد القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين تطوّرات مهمّة في مجال حقوق الإنسان؛ إذ برزت خلال هذه الفترة جُهود ملحوظة لحَظر تجارة الرقيق، والحَدّ من فظائع الحرب؛ فكان تبنّي اتِّفاقيات جنيف الثلاث الأولى واتِّفاقيات لاهاي علامة فارقة؛ إذ عكست هذه المُعاهَدات اهتماماً عميقاً من الرأي العامّ بتعزيز احترام الكرامة الإنسانية الأساسية للأفراد حتى في أوقات النِّزاع المُسلَّح.

ثمَّ جاء تأسيس مُنظَّمة العمل الدولية "ILO" في عام "1919" ليُتوِّج هذه الحقبة من التطوُّر في مجال حقوق الإنسان، وكانت هذه المُنظَّمة قد أُنشِئت بهدف الإشراف على المُعاهَدات الخاصَّة بحماية حقوق العُمّال، بما في ذلك صحّتهم، وسلامتهم، ممّا مهَّد الطريق لمزيد من التقدُّم في مجال حقوق الإنسان في القرن العشرين.

القرن العشرين: نحو عالمية حقوق الإنسان

شَهِد القرن العشرين، وخاصَّة فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، تطوُّرات جوهرية في مجال حقوق الإنسان، وأبرز ما حصل في هذه الفترة عقد مُحاكَمات في نورمبرغ وطوكيو بعد الحرب، جرى فيها تقديم مفاهيم جديدة، مثل: "الجرائم ضِدّ السلام"، و"الجرائم ضِدّ الإنسانية"، والتزمت الحكومات بإنشاء الأمم المتحدة بهدف أساسي يتمثَّل بتعزيز السلام الدولي، ومنع النِّزاعات.

وفي عام "1948"، جرَت صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي أكَّد أنَّ كيفية معاملة الحكومات لمواطنيها أصبحت مسألة ذات اهتمام دولي مشروع، وتبنَّت الأمم المُتحدة منذ تأسيسها أكثر من عشرين معاهدة رئيسة لحقوق الإنسان، مثل: اتِّفاقية اللاجئين "1951"، واتِّفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة "1979"، واتِّفاقية حقوق الطفل "1989".

وشكَّلت هذه الوثائق إلى جانب العهدَين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ما يُعرَف بـ "الشرعة الدولية لحقوق الإنسان"، والتي وضعت التزامات على الحكومات للعمل بطرق مُعيَّنة، أو الامتناع عن أفعال مُحدَّدة؛ بهدف تعزيز حقوق الإنسان والحُرّيات الأساسية للأفراد أو الجماعات وحمايتها.

وفي الختام لا بُدّ من القول إنَّ الإسلام  أفضل مَن اهتمّ بالإنسان وكرامته وحمى حقوقه؛ إذ أولى اهتماماً بالغاً بحقوق الإنسان منذ ظهوره، مُؤسِّساً مبادئ العدل والمساواة في مجتمع سادَه الظلم والاستبداد، وقد تميَّز الإسلام بتقرير هذه الحقوق قبل ظهور المواثيق والإعلانات الدولية، مُستنِداً إلى التشريع الإلهي؛ فالنصوص الإسلامية غنية بالأحكام التي تُؤكِّد كرامة الإنسان وحقوقه، بدءاً من الحُرّيات الشخصية، وصولاً إلى العدالة والمساواة، شاملة بذلك الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وهكذا أرسى الإسلام قواعد حقوق الإنسان بصورة شاملة ومتكاملة، صائِناً لكرامة الإنسان، وضامِناً حقوقه في أفضل صورها وأتمِّها.

المراجع 

[1] coespu.org, Human Rights evolution, a brief history.
[2] ohchr.org, Human Rights in a New Era
[3] researchgate.net, HISTORICAL DEVELOPMENT OF HUMAN RIGHTS
[4] hrlibrary.umn.edu, A Short History of Human Rights
[5] raijmr.com, Historical Development of Human Rights

October 01, 2024 / 11:36 AM

أخبار ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.