جار التحميل...
ويعدّ العنف الأسري قضيةً اجتماعيّة خطيرة تشير إلى وجود خلل حقيقي يُهدّد الأسرة، ويستدعي دراسة جذوره، وتضافر الجهود لإيجاد حلول فعّالة للحفاظ على استقرار المجتمع.
يتأثر العنف الأسري بعوامل متداخلة ومتنوعة تشمل ما يأتي:
إنّ سلوكيّات التعنيف هي سلوكيّات مكتسبة، فلا أحد يُولَد معتدياً بالفطرة، إذ يمكن أن تنجم عن تعاطي المخدّرات، أو شرب الخمر، إضافة إلى تدني المستوى التعليميّ، والجهل بالأخلاق وحقوق الآخرين، كما قد يكون التعرض للتعنيف في الطفولة سبباً في تكوين معتقدات خاطئة لدى الفرد حول التعبير عن المشاعر السلبية مثل الغضب والغيرة وغيرها.
كما قد يكون الاكتئاب والاضطرابات النّفسية مثل "اضطراب الشخصية الحدية" سبباً في ذلك، وهي حالة نفسيّة تؤثر على نظرة الإنسان لنفسه وللآخرين، ويتسمّ المريض فيه بالعاطفيّة الشديدة التي تجعله يعاني من المشاعر المتطرفة والقوية بصورة غير عاديّة؛ كالغضب والقلق الشديدين، والحزن العميق، ممّا يدفعه أحياناً إلى ارتكاب تصرفات اندفاعيّة وعنيفة تؤذي نفسه والآخرين، دون التفكير في العواقب.
وقد يعود السبب في اتخاذ منهج العنف في الأسرة إلى ضعف تقدير الذات والشعور بالدونيّة، مما يدفع المُعنِّف إلى هذه الممارسات لإشباع نقصه بإيهام نفسه بالسيطرة والقوة.
قد تنبع التصرّفات المُتعلّقة بالعنف الأسريّ من تأثيرات المجتمع المحيط، على سبيل المثال، تتسبّب بعض المعتقدات الخاطئة في المجتمعات في تعزيز هذه الظاهرة؛ كالفهم الخاطئ لقوامة الرجل على المرأة، أو أنّ الرجل الحقيقيّ يجب أن يكون قوياً ومسيطراً، فيقوم بترجمة القوة والسيطرة على شكل اعتداءات أو سيطرة مالية وحرمان.
كما ينتشر العنف في المجتمعات الفقيرة بصورة ملحوظة نتيجة الضغوط الاقتصادية والبطالة، مما يؤدي إلى زيادة السلوكيات العدوانيّة كنوعٍ من السخط وعدم الرضا عن الظروف، وقد تكون هذه التصرّفات أيضاً مجرّد محاكاة وتقليد للتصرفات التي رآها المُعنِّف أمامه في طفولته أو بلوغه، سواء من عائلاتٍ أخرى أو مشاهد تلفزيونيّة، أو قصص أو غير ذلك.
قد يعود سبب العنف الأسريّ إلى عدم القدرة على التواصل الفعال وحلّ الخلافات سلمياً بين أفراد الأسرة عموماً، أو بين الأزواج خصوصاً، بالاقتران مع ضعف السيطرة على الغضب، فيلجأ المُعنِّف إلى التفاعل مع الخلافات بسلبيّة، وحسمها بالاعتداءات والتعنيف.
وبالطبع، يُعدّ الارتباط بأصدقاء السوء العدوانيين عاملاً مهماً في تنمية السلوكات العدوانية وتبنيها كنهجٍ في المنزل.
يُمكن التقليل من ظاهرة العنف الأسريّ باتبّاع بعض الاستراتيجيّات الوقائية والعلاجية، وتشمل الآتي:
تشمل التوعية والتثقيف إعداد برامج إرشادية وتوعويّة تقي من العنف؛ مثل البرامج الخاصّة بالمقبلين على الزواج، والتي تؤهل لتأسيس العلاقات الأسرية الناجحة، وتنمي مهارات التواصل الفعّال بين الأزواج، ومهارات إدارة الخلافات، والصفّح والتغافل بين الزوجين، وحلّ المشكلات، وتعريف كلّ من الزوجين بحقوقهما وواجباتهما، ويشمل ذلك أيضاً تضمين التخصصّات الجامعية بموضوعات تخصّ مجال حماية الأسرة.
كما تتمثل التوعية بإعداد دورات تعليميّة متعلقة بالجوانب التربوية، وتستهدف الآباء والأمهات، إذ يتمّ تعليمهم أسس التربية السليمة، والطرق الصحيّة للتعامل مع مشاكل الأبناء، وفهم نفسياتهم، والتعامل معهم بحكمةٍ بدلاً من العنف، إضافة إلى توعية الأطفال بضرورة عدم اتخاذ صور نمطيّة للجنسين؛ مثل أنّ الأولاد يجب أن يتصفوا بالعنف دائماً، إضافةً إلى تعزيز قيم الرفق واللين في التعامل بين الآباء والأبناء.
يُشار إلى أهمية إصدار قوانين واضحة ورادعة لمرتكبي العنف الأسريّ، واتخاذ الإجراءات العقابية، بالإضافة إلى إنشاء محاكم خاصّة بقضايا العنف الأسريّ، مما يتسنّى التركيز على هذه المشكلات تحديداً، واتخاذ إجراءات سريعة تضمن سلامة الضحايا وحمايتهم.
ويكون ذلك بالاستماع الفعّال للضحايا الذين يُفصِحون عن تعرّضهم للعنف، مع تجنب التشكيك في مصداقيتهم وإلقاء اللّوم عليهم، بل ينبغي تحفيزهم على محاسبة المعنِّف، إضافةً إلى تبني أنظمة على مستوى الدولة لتسهيل تقديم الشكاوى.
يتضمّن ذلك أيضاً إرشادهم إلى المؤسسات المتخصّصة بحماية الأسرة، ودور رعاية ضحايا العنف الأسريّ التي تؤمّن لهم السكن على الأقلّ خلال فترة اتخاذ الإجراءات القانونيّة المناسبة، إضافة إلى المؤسسات التي تقدّم الدّعم النّفسيّ والصحيّ، وتلك التي تقدّم الدعم الماليّ والاقتصاديّ.
يشمل ذلك تعزيز ثقافة التدّخل عند ملاحظة الخطأ، وعدم تجاهل حالات العنف الأسريّ عند سماع أصوات الجيران مثلاً، مع ضرورة التبليغ عنها.
المراجع
[1] psychcentral.com, What Causes Domestic Violence?
[2] cdc.gov, Risk and Protective Factors
[3] betterhealth.vic.gov, Family violence explained
[4] u.ae, سياسة حماية الأسرة
[5] tessacs.org, 12 ways to help Combat Intimate Partner Violence