جار التحميل...
ويمكن القول إنّ الدافع الأساسي لعمليات الشراء المُبالَغ فيها وغير العقلانية يتمثَّل بالرغبة في تحقيق الذات، وإرضاء النفس، والشُّعور بأنّ الممتلكات الشخصية مُنسجِمة معاً؛ ممّا يعني شراء المجموعات بدلاً من شراء العناصر، وخاصَّة مع وجود شركات تُروِّج لمُنتَجاتها بأساليب مُقنِعة ومُغرِية.
وتجدر الإشارة إلى أنّ مفهوم تأثير ديدرو كان قد ظهر إلى النور في عام 1988؛ إذ صاغَه غرانت ماكراكن "Grant McCracken" المُختَصّ بعلم الإنسان، وبغَضّ النظر عن الدوافع الشخصية أو المجتمعية التي تُسهِم في توليد هذا التأثير النفسي، لا بُدّ من إيجاد طرق لتجنُّب الوقوع فيه، ومن ذلك ما يأتي:
تتمثَّل الخطوة الأولى لتجنُّب شيء ما بالقدرة على إدراكه وفهمه فهماً سليماً، وهنا، لا بُدّ من توعية المُستهلِك بتأثير ديدرو في القرارات المُتعلِّقة بالشراء؛ ممّا يعني أنّ عملية الشراء ينبغي أن تقتصر على الضروريات التي يحتاج الفرد إليها بالفعل.
ولا بُدّ من التركيز باستمرار على تجنُّب الاستهلاك لمُجرَّد الاستهلاك، وعدم شراء أيّ سلعة لمُجرَّد الرغبة في امتلاك شيء جديد، واستخدام القديم الذي لا زال يُؤدّي الغرض؛ فهناك فرق كبير بين الرغبة في الشيء والحاجة إليه.
لا بُدّ أن يكون المُشتَري واعياً أيضاً بالأساليب التسويقية التي تتَّبِعها الشركات، والتي تستغِلّ فيها رغبات المستهلك النفسية؛ عبر إطلاعه على كلّ ما هو جديد من المُنتَجات أوّلاً بأوّل، والتركيز على إظهار مُميِّزات كلّ مُنتَج؛ بهدف حَثّه على الشراء وإنفاق المال، ويكون هذا لغرض واحد فقط، ألا وهو تحقيق مصالحها المادّية، وزيادة حجم أرباحها.
ويُنصَح في هذا السِّياق بشراء العناصر التي تتماشى مع العناصر الأخرى التي يمتلكها الفرد أصلاً منذ البداية، بالإضافة إلى تماشيها مع ذوقه عموماً؛ كي لا يُضطرَّ إلى البدء من نقطة الصفر في تنسيق مجموعة من العناصر الجديدة؛ فعلى سبيل المثال، لا داعي لشراء الفتاة حذاء أحمر إن لم تكن على علم بكيفية تنسيقه مع الملابس الموجودة في خزانتها؛ إذ سيُحتِّم عليها ذلك شراء فستان جديد، وتنسيق إكسسوارات جديدة؛ لتتمكَّن من ارتدائه.
يُسهِم تأثير ديدرو في توقُّف المستهلك عن انتقاء المُشترَيات انتقاءً مدروساً، فتصبح عملية الشراء لديه عملية عشوائية دون تخطيط أو تنظيم؛ لذا، يُنصَح بالانتباه إلى ضرورة اختيار المُشترَيات بالاعتماد على نقطتَين أساسيَّتَين، هما: الفائدة الفعلية التي سيُقدِّمها المُنتَج، والجودة العالية التي سيُحقِّقها المستهلك من استخدامه لأطول فترة مُمكِنة دون الاضطرار إلى استخدام آخر جديد بدلاً منه من وقت إلى آخر.
فمثلاً، عند الرغبة في شراء قميص، يجدر الانتباه إلى نوعيَّته الجيِّدة؛ لضمان إمكانية استخدامه أكثر من مرَّة دون أن يظهر قديماً وبالياً بمُجرَّد غَسله؛ ممّا يُقلِّل الحاجة إلى شراء قميص جديد آخر خلال مُدَّة زمنية بسيطة، أو الدخول في سِلسلة من المُشترَيات لتنسيقها معه؛ كالسُّترة، والحذاء، والبنطال، وغيرها؛ الأمر الذي يعني إنفاق مبالغ كبيرة يمكن الاستغناء عنها.
ينبغي أن يكون الفرد قادراً على تحديد التكلفة الكُلِّية لعملية الشراء بدِقَّة، ولا يُقصَد بهذا معرفة سِعر العُنصر المُراد شراؤه وحسب، بل حساب أسعار العناصر التي سيشتريها جميعها تلقائياً بالتتابُع بعد العنصر الأوّل عند إطلاق العنان لتأثير ديدرو، والسماح له بالسيطرة على قرارات الشراء، وحينها يمكن اتِّخاذ القرار بحكمة، أو حتى إلغاء الفكرة من الأساس عند تذكُّر امتلاك عناصر مُشابِهة تُؤدّي الغرض ذاته دون الحاجة إلى دفع هذه التكاليف كلِّها.
فمثلاً، عند شراء منزل جديد، ينبغي تحديد التكاليف التي سيقود إليها مثل هذا القرار، والقرارات الشرائية التي ستبدأ بالظهور مباشرةً بعده؛ فالمنزل الجديد سيحتاج إلى أثاث يُناسب مساحاته، بالإضافة إلى إمكانية الشُّعور بالرغبة في إجراء بعض التعديلات قبل الاستقرار فيه؛ ممّا يستوجب شراء طلاء بألوان جديدة مثلاً؛ لذا، لا بُدّ من أخذ هذه التكاليف جميعها في الحُسبان، وإعادة التفكير في المنزل القديم إن كان جيِّداً.
يجدر بشراء الممتلكات -بغضّ النظر عن نوعها- ألّا يكون تنافُسياً؛ فبعض الأشخاص قد يشترونها لمُجاراة الآخرين، ولتلبية حاجات نفسية نابعة من كثرة المُقارنات التي تُجبره على الاستهلاك الجنونيّ؛ لتفادي الشعور بالدونية في المجتمع، وهنا، لا بُدّ من إيقاف هذا كلِّه؛ فالشراء ينبغي أن يكون تبعاً للحاجة والرغبة الذاتية، والميزانية الشخصية فقط، دون الالتفات إلى ما يشتريه الآخرون، ويُنصَح دائماً بتكرار السؤال: "هل اشتريته لنفسي، أم لإطلاع الآخرين عليه؟".
وعلى الرغم من أنّ وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت في زيادة مستويات المقارنة بين الناس بنسبة كبيرة، وجعلت الممتلكات المادّية معياراً لتحديد الهوية، وأثَّرت أيضاً في الرضا الداخلي عن النفس، فإنّ من الضروريّ التأكيد على أنّ ما يُعرَض على هذه المواقع لا يُمثِّل سوى جزء بسيط من حياة الآخرين، وهو جزء مِثاليّ وبعيد عن الواقعية في أحيان كثيرة؛ ممّا يعني أنّ التنافُس مع مَن ينشره أمر غير منطقيّ.
ينشأ شعور الرغبة في التسوُّق عند تكرار مشاهدة المُنتَجات في كلّ مكان، مثل: مواقع التسوُّق الإلكتروني، والإعلانات الترويجية في البريد الإلكتروني، ولتجنُّب الوقوع في مصيدة تأثير ديدرو، لا بُدّ من محاولة إغلاق الباب في وجه هذه المُحفِّزات، ومن الأفكار التي تساعد على ذلك: إلغاء الاشتراك في المجلات التي تتضمَّن كمّاً هائلاً من الإعلانات والكاتالوجات الجانبية التي تصل عبر البريد -مثلاً-، والبحث عن وسائل ترفيه بديلة.
ومن مُحفِّزات الاستهلاك الشائعة التي تُدخِل المُشترَي في دَوّامة غير مُنتَهية وجودُ المُنتَجات المُقترَحة ذات الصلة بالمُنتَج الذي يستعرضه المُشتري على المتاجر الإلكترونية؛ فمثلاً، عند الرغبة في شراء كاميرا واستعراضها على الموقع، ستظهر مقترحات إضافية؛ كالبطّاريات، والحقيبة التي تُناسبها، وغيرها، ويُعَدّ هذا الأسلوب التسويقي من الأساليب التي تساعد الشركات على استغلال تأثير ديدرو في نفسية المستهلك؛ ممّا يزيد عدد المُنتَجات في سَلَّته دون أن يشعر.
وفي الختام، لا بُدّ من التنويه إلى ضرورة اتِّخاذ الإجراءات التي يمكن من خلالها تجنُّب الوقوع في مشكلة تأثير ديدرو؛ إذ إنّ تأثيره السلبي لا يقتصر على الناحية الاقتصادية وإنفاق المال وحسب، وإنَّما يُؤدّي إلى الإضرار بالبيئة أيضاً؛ فالاستهلاك المُفرِط يعني الحاجة إلى زيادة حجم الإنتاج؛ ممّا يعني استنزاف الموارد الطبيعية استنزافاً مُجحِفاً، بالإضافة إلى تلوُّث البيئة.