جار التحميل...
وتجدر الإشارة إلى عدم وجود تعريف مُوحَّد للاقتصاد الأخضر حتى الآن، إلّا أنّ تعريفه الأبرز صادر عن برنامج الأمم المُتَّحِدة للبيئة (UNEP)؛ إذ عرَّفته بأنّه اقتصاد يُحسِّن رفاهية الإنسان، ويُحقّق العدالة الاجتماعية، وفي الوقت نفسه يُقلِّل المخاطر البيئية؛ لأنّه يسعى إلى تخفيض نسبة الكربون والتلوُّث في الجو، واستعمال الموارد على نحو مثاليّ دون استنزافها، وهو أحد الأدوات الداعمة لتحقيق التنمية المستدامة التي تعني استخدام الموارد المُتاحة دون التأثير في قدرة الأجيال القادمة على الاستفادة منها.
ويركّز الاقتصاد الأخضر على المُواءَمة بين الأهداف الاقتصادية لريادة الأعمال والأهداف الاجتماعية والبيئية في آن واحد، ويعترف بإمكانات التقنيات المُستَدامة الجديدة، وأهمية الطاقة المُتجدِّدة؛ لتصبح مُحرّكاً أساسيّاً لمَسارات التنمية الحديثة.
على الرغم من أنّ معظم أنواع الاقتصاد الأخرى تعتمد على مجموعة من القواعد والمعايير التي قد تستنزف الموارد، وتُدمِّر الثروات الطبيعية من أجل النمو الاقتصادي، مثل القضاء على مساحات خضراء شاسعة لبناء المصانع أو التجمُّعات السكنية، إلّا أنّ هذه الأمور بعد ظهور الاقتصاد الأخضر بات يُنظَر إليها باعتبارها أموراً يمكن تجنُّبها؛ إذ تتميّز مبادئه برؤية شاملة تهتمّ بكيفية استخدام الإنسان الموارد الطبيعية، وتمتلك منظوراً طويل المدى؛ للتركيز على الوسائل التي يمكن بها استخدام الموارد لتقديم قيمة للمجتمع، ومن أبرز هذه المبادئ:
يُركّز مبدأ الرفاهية على تمكين الجميع من الحصول على حياة أفضل مهما كان وضعهم الاقتصادي أو موقعهم الجغرافي، ويعترف بأنّ النمو الاقتصادي وحده لا يكفي لتوفير مجتمع مُستَدام ومُتَساوٍ، إضافة إلى أنّه يؤكّد على أهمّية تعزيز الرفاهية من جوانبها كافَّة وللأفراد جميعهم؛ كالرفاهية الجسدية، والصحّة العقلية، والاجتماعية، ويُعطي الأولوية لإمكانية الوصول إلى الاحتياجات الأساسية، مثل: الغذاء، والمياه النظيفة، والخدمات الصحية؛ بعقد برامج لتوفير الرعاية الصحية والتعليم بأسعار معقولة، والاستثمار في الطاقة النظيفة والنقل، وتشجيع النمو الاقتصادي والابتكار.
يعترف مبدأ العدالة بالمجموعات التي تأثَّرت تاريخياً بالتدهوُر البيئي، وعدم المساواة الاجتماعية؛ كالنساء، والأُسَر منخفضة الدخل؛ إذ يسعى إلى معالجة هذه الفوارق، وإنشاء مجتمع أكثر إنصافاً بتوزيع عادل للفرص، والحَدّ من التأثيرات البيئية؛ لضمان حصول الأجيال القادمة على الموارد التي تحتاج إليها لتحقيق النجاح، ومن الأمثلة على تطبيق مبدأ العدالة: المُبادَرات التي تدعم الروابط الاجتماعية، وحقوق الإنسان، وحقوق العُمّال، والشُّعوب الأصلية، والأقلِّيات.
يحمي مبدأ الحدود الكوكبية الطبيعة، ويضمن الاستثمار فيها دون الإضرار بها؛ من خلال حماية النظم البيئية وإعادة تأهيلها، ودعم التنوُّع البيولوجي (أشكال الحياة على الأرض)، وتعزيز ممارسات الإدارة المُستَدامة للموارد؛ كاستخدام مصادر الطاقة المُتجدِّدة، مثل: استخدام الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة الكهرومائية، والتوسُّع في استخدام الكهرباء المُنتَجة من مصادر مُتجدِّدة، ومن الأمثلة الأخرى على مبدأ حماية الحدود الكوكبية: تقليل النفايات وانبعاثات غازات الدفيئة، والزراعة المُستَدامة.
يدعم مبدأ الكفاءة والكفاية الاستهلاك والإنتاج المُستَدامَين؛ من خلال تعزيز كفاءة الموارد وكفايتها؛ بالتخلُّص من أنماط الاستهلاك والإنتاج الحالية غير المُستَدامة التي تُؤثّر سلباً في المجتمع والبيئة، والاتِّجاه نحو أساليب نافعة وغير ضارّة في الوقت الحاضر أو مُستقبَلاً؛ بالتركيز على تجسيد نموذج الاقتصاد الدائري الذي يعتمد مبدأ إعادة الاستخدام وإعادة التدوير؛ لتقليل استخدام الموارد، إضافة إلى التركيز على تقليص الاستهلاك الهائل غير المقبول الذي يضغط على الموارد لإنتاج المزيد؛ من خلال تحديد سياسات رادعة.
يُؤكّد مبدأ الحُكم الرشيد على ضرورة وجود مُؤسّسات متكاملة وخاضعة للمُساءَلة القانونية، وقادرة على الانتقال بالمجتمعات إلى مستوى عالٍ من الاستدامة والعدالة، بحيث تكون مدعومة من مؤسسات متكاملة ومتعاونة ومتماسكة أفقيّاً عبر القطاعات المُترابطة، وعمودياً عبر مستويات الإدارة، وتتمتّع بالقدرة على أداء دورها بطرائق فعّالة وكفؤة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ ما سبق يتطلَّب إمكانية المشاركة العامة، والشفافية، والحِوار الاجتماعي، والمُساءَلة الديمقراطية، والتحرُّر من المصالح الخاصّة في المؤسسات العامة والخاصّة كلّها، إلى جانب مؤسسات المجتمع المدني، ومن الأمثلة على هذا المبدأ: المُبادرات التي تُشجِّع المشاركة العامة، والبرامج التي تدعم بناء القدرات المؤسّسية والصمود لمواجهة التحدّيات.
وختاماً، مع تطوُّر الاقتصاد الأخضر، ظهرت عِدّة اتِّجاهات رئيسة من شأنها أن تُحدّد مستقبله؛ وهي الإبداعات التكنولوجية، والإصلاحات السياسية، وتوجيه سلوك المُستَهلِك، واستراتيجيات الأعمال، وكلّ واحدة منها تُؤدّي دوراً بالغ الأهمية في التحوُّل نحو نموذج اقتصادي مُستَدامٍ أكثر.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الاقتصاد الأخضر يواجه في الوقت نفسه تحدِّيات كبيرة، مثل تكاليف الاستثمارات الأوّلية الباهظة؛ لأنّ التحوّل إليه يحتاج إلى استعمال مجموعة متنوّعة من الموارد، والبنى التحتية المُتجدّدة، والمركبات الكهربائية المختلفة تماماً عن كثير ممّا يُستخدَم حاليّاً، والاعتماد على نحو كبير على الموارد المُتجدّدة؛ كالطاقة الشمسية، والرياح، يعتمد على الظروف الجوّية، وهذا قد يؤدّي إلى فجوة بين العرض والطلب.
المراجع
[1] greeneconomycoalition.org, The 5 Principles of Green Economy
[2] greenly.earth, Green Economy: meaning and principles
[3] worldexcellence.com, The 5 principles of the green economy to apply for a sustainable future
[4] sustainabledevelopment.un.org, Green economy
[5] corporate.enelx.com, What is green economy? Definition and meaning