جار التحميل...
ورغم أنّ الكذب لدى الأطفال سلوك طبيعي ومُتوقّع، ليس على الوالِدَين القلق الشديد بشأنه، إلّا أنّه لا ينبغي تجاهل الأمر، وعدم البحث في أسباب كذبه، وإنّما ينبغي معرفة كيفية التعامل معه باتِّباع أساليب تربوية صحيحة؛ حتى لا تتفاقم الأمور.
الطفل في هذا العمر أصغر من أن يفهم أنّ الكذب سلوك سيّئ؛ فهو يتصرّف بعفوية دون أن يتوقّع العواقب، ويرى أنّ الكذب وسيلة لمنع غضب الشخص البالغ أو انزعاجه، وهو يريد أن يجعل كلّ شيء على ما يرام، ولا يقصد الخداع، وهنا يُشار إلى ضرورة عدم المبالغة في ردّة الفعل، ولا عقاب الطفل أبداً، بل مواجهته بالحقائق.
ويمكن مواجهة الطفل بالحقائق عندما يكذب بأن يقول البالغ مثلاً: "أنا أرى الشوكولاتة على وجهك ويدَيك"، أو "أشاهد الرُّسوم على الجدار"، ومُساعدته في فهم أنّ من الصواب قول الحقيقة، وعدم الخوف من العقاب، وهكذا لن تزداد المشكلة سوءاً، لا سِيَّما عند الحديث معه بأسلوب لطيف؛ فلا يظهر البالغون بمظهر المُتسَلِّطين، وتظلّ الثِّقة والأمان أساساً للتعامل.
في هذه المرحلة العمرية، من المهمّ جدّاً الحفاظ على العلاقة العاطفية مع الطفل، وتجنُّب الحزم في معاملته مهما كانت الظروف؛ فهو ما يزال في مرحلة الاستكشاف، على أن تُوضَّح له أهمّية قوله الحقيقة، وأنّ الكذب غير مقبول؛ فمثلاً، إذا أصرَّ الطفل على أنَّه لم يكسر المزهرية أثناء لعبه بالكرة مع أنّ كلّ الأدِلّة تُدينه، فينبغي أوّلاً التأكيد على عدم الاستخفاف بعقل الكبير، وأنّه لا يُمكنه خداعه، ثمّ توضيح الأدِلّة على كذبته، والتأكيد على أنّ كسر المزهرية ليس بالأمر الجلل، والمهمّ أكثر قول الحقيقة.
وإذا استجاب الطفل، واعترف بالحقيقة، فهذا يعني أنّ الأسلوب ناجح معه، ولكن إذا استمرّ في إنكاره، فلا بُدّ من توجيه انتباهه بعيداً عمّا حدث، وإجراء محادثة قصيرة معه عن أضرار الكذب، وهذا يعتمد كثيراً على الحالة المزاجية للطفل، ومدى انتباهه؛ لأنَّه إن كان مُنزعِجاً سيُقاوم المحادثة، ولن يحاول التفهُّم، ولاحقاً يمكن مُعاوَدة المحاولة باستخدام أسلوب القصة للتأكيد على أهمية الحقيقة.
في هذه السِّنّ يكذب الطفل عن قَصد؛ إمّا للإفلات من عواقب تصرُّفاته غير الصحيحة، مثل تقصيره في أداء الواجبات المدرسية، أو عدم ترتيب أغراضه، أو إنفاق نقوده على ما ليس مهمّاً، وإمّا لتعزيز ثقته بنفسه؛ لما بات لديه من علاقات اجتماعية جديدة يريد إثارة إعجابهم، إلّا أنّ الجيّد في هذه الكذبات أنّ بالإمكان اكتشافها سريعاً، وأنّ الطفل يعترف بها مباشرة عند مواجهته بها؛ لذا من السهل التعامل معها، ولا بأس هنا من مكافأة بسيطة، أو الثناء عليه عندما يقول الصدق.
أمّا فيما يتعلَّق بكيفية التعامل مع هذا النوع من الكذب، فيُمكن إمهال الطفل قليلاً ليُقرِّر هل سيقول الحقيقة؟ أم سيستمرّ في كذبه؟؛ كأن يقول البالغ: "سأذهب إلى الغرفة خمس دقائق، وعندما أعود ستُخبرني بعلامتك في الامتحان"، ويمكن وضع الكذبة في سِياق مختلف؛ حتى يعرف عواقبها؛ كأن يقول البالغ عند اكتشافه أنّ الطفل لم يُنجز واجبه: "ماذا لو أخبرتك أنّي سأُحضّر الطعام الذي تُحِبّه بعد عودتك من المدرسة، ثمّ وجدت أنّي لم أفعل ذلك؟".
في عمر الثماني سنوات، يبدأ الطفل في فهم الجانب الأخلاقيّ للصدق والكذب، وقد يشعر بالذنب؛ لأنّه غَشّ في إحدى الألعاب؛ لإدراكه أنّ ما فعله غير عادل للآخرين، ومن عُمر التسع سنوات فما فوق، يبدأ الطفل بصياغة أكاذيب أكثر تعقيداً تتناسب مع نُمُوّ قُدراته المعرفية، لذا لا بُدّ من توعية الطفل بالعواقب طويلة المدى للكذب، وأنّ الصدق والأمانة ضروريّان، وتوضيح أنّ مكاسب الكذب مُؤقَّتة، وأضراره اللاحقة أكبر بكثير من التخلُّص من العقاب الحالي.
ويمكن أن يكون الأطفال في هذه المرحلة مُندَفِعين؛ لذلك قد يتحدَّثون قبل التفكير فيما يقولونه، وقد يقولون الأكاذيب دون تفكير كبير، لا سِيّما أثناء محاولة إقناع الوالِدَين بالذهاب لزيارة الأصدقاء، أو تبرير أخطائهم مع والِديهم، والتعامل مع هذا النوع يكون بتعليم الطفل أن يُفكّر قبل الإجابة، وهذا يتطلّب أن يكون الحديث معه بهدوء، والبدء بجملة تُوضّح للطفل أنّ بإمكانه التحدُّث بأمان، مثل: "أنا حزين لأنَّ شيئاً ما يجعلك تشعر أنّك في حاجة إلى الكذب".
كما هو الحال في جوانب التربية الأخرى، لا تُوجَد إجابة مباشرة وصحيحة بالكامل عن كيفية التعامل مع كذب الطفل، لا سِيّما أنّ التعامل يختلف باختلاف المراحل العمرية، إلّا أنّ هناك نصائح عامَّة قد تكون مفيدة، مثل:
يقضي الطفل وقتاً طويلاً مع والِدَيه، ويكون مُراقِباً جيِّداً لتصرُّفاتهم كلِّها؛ لذا على الآباء أن يكونوا قدوة صالحة؛ بتعليمهم مكانة الصدق في الإسلام، وأنّ الكذب ليس من أخلاق المسلم، والحرص على الموافقة بين أقوالهم وأفعالهم؛ لأنَّهم قدوة لطفلهم الذي قد يتعلَّم الأكاذيب بسببهم؛ فمثلاً عندما يُطلَب منه إخبار مَنْ على الباب أنّ والِدَيه ليسا في المنزل، سيعتقد أنّ بإمكانه فعل ذلك أيضاً، ومهما سَمِع عن أهمية الصدق بعدها، فإنّه لن يقتنع بسبب التناقُض بين ما يراه حقيقة وما يسمعه.
يجب مدح الطفل عند قوله الحقيقة، وإخباره أنّ الصدق يجعله جديراً بالثقة دائماً، وتعليم الطفل أنّ الصدق يُقلِّل عواقب الكذب، ويُساعده كثيراً على التزام الصدق في غالب أقواله وأفعاله، وعند ضبطه يكذب عليه، فلا بُدّ له من معرفة عواقب كذبه، ومعرفة أنّ العقوبات ليست قابلة للتفاوض دائماً، وإذا تكرَّرت الكذبة نفسها، فستكون العواقب أكبر.
عند اكتشاف كذب الطفل، يجب مناقشة الأمر معه بهدوء، والابتعاد عن مواجهته بالأدلّة على أساس أنّه كاذب ومخطئ في ما يفعله كلّه، وتجنُّب إلقاء محاضرة عن الصدق والكذب بأسلوب غير مُحبَّب، وفي وقت خاطئ، ويمكن بدلاً من ذلك سؤاله ببساطة وبأسلوب مُطَمئِن، مثل: "أعرف أنّك فعلت ذلك، فهل يمكنك إخباري ما السبب؟" دون نبرة الاستجواب والتسلُّط؛ لأنّه سيعتقد أنّه لن يستطيع إخبار والِدَيه بأيّ شيء لاحقاً، ويجب تجنُّب وصفه بالكاذب؛ لأنّه سيشعرُ بالسوء تجاه نفسه، وليس تجاه الفعل.
وختاماً، لا تُقدِّم أساليب التعامل مع كذب الطفل حَلّاً فوريّاً دائماً، وإنّما هي عملية متكاملة تحتاج إلى وقت حتى يشعر الطفل بالأمان تجاه التحدُّث بحقيقة تصرُّفاته وأقواله، وعندما يضبط الوالِدان انفعالاتهما فمن المُرجَّح أن تكون الحلول أسرع وأكثر فعالية، وإن صَعُبت معالجة كذب الطفل، فيُمكن طلب المساعدة من مُتخصِّص نفسيّ؛ لمعرفة سبب الكذب، ومُعالجته، وتخفيف قلق الطفل.
المراجع
[1] huckleberrycare.com, Age-by-age guide to lying: How to handle your child's lying
[2] webmd.com, How to Deal With Your Child Lying
[3] psychologytoday.com, Helping Your Child, Teen, or Adult Child Stop Lying to You
[4] goodtherapy.org, Why Do Children Lie? Normal, Compulsive, and Pathological Lying in Kids
[5] babycenter.com, Why do kids lie?