جار التحميل...

mosque
partly-cloudy
°C,

الشارقة... ماء المعرفة

24 ديسمبر 2020 / 10:21 AM
صورة بعنوان: الشارقة... ماء المعرفة
download-img
"والماء حولك فضة رقراقة والشمس فوق عسجد يتضرم"، الماء سر الوجود البشري، الماء رئة الإنسان، وبالماء نتخلق، وثمة أعراقاً لا يمكن أن تعيش إلا بقرب الماء، الماء معرفة، هكذا أجد نفسي الآن قرب الماء، محاطة به، أفتح نافذة الصباح لتشرق المعرفة في الداخل، يفيض عن المحيط، هذه الزرقة المحيطة بالمكان جزءاً من كينونته وديمومته ومن معرفته الخلاقة التي كانت في زمن ما مجداً معرفياً.

فالحجر هنا شجرة المعرفة، لأنه نبت على محيط الماء، خرج من جذره كاللؤلؤ، خرج من قلب الصيادين، الذين كانوا يتنفسون الماء الأزرق، نذروا حياتهم لهذه الزرقة، لا يأمنون لليابسة، أنهم أمجاد حياة وسلالة ماء.

وليس غريباً إذا قلنا بأن الشارقة، هذه الإمارة الصغيرة، هي ماء المعرفة الإنسانية، فهي ولادة منذ الأزل بالمقام المعرفي والحضاري، في عيون الناس تجد هذه المعرفة، تجد زرقته.

الشارقة مدينة تتجلى في قوامها ومقامها صنوف المعرفة، إنها شجرة القلوب النائمة تحت لسان الأقدميين، الشارقة جارة الماء، ومن كان جاراً للماء انفتح قلبه للإنسانية.

أليست الشارقة إمارة العرب في مدها القومي والعروبي، نجد كل هذا في الحياة اليومية، في تفاصيلها، في قلبها الكبير، إنها منزلة العرب، بكل أطيافهم واختلافهم، ليسوا العرب وحدهم الذين يسكنون هذه الإمارة الهادئة، فحسب، بل كل الأجناس والأطياف، الشارقة مدينة الكل، مدينة الحب والقلب.

تدلنا الوثائق وتقودنا إلى جذر هذا القلب الكبير الفياض بالمعرفة لوجود أقدم مكتبة، تم تأسيسها في عام 1925، وهذا يعني بأن الشارقة كانت قلب المعرفة، تزخر هذه المكتبة التي تشبه قلب البحر بأمهات الكتب وبترجماتها العريقة وبوثائقها التاريخية وبحضورها الإنساني الدافئ كموج البحر، إنها وثيقة لهذا الامتداد المعرفي، وما سبقه من الأسلاف الذين أسسوا المعرفة الإنسانية.

فالقراءة كانت ولا زالت أسلوب حياة هنا، فمن يشير اليوم إلى الشارقة، يشير إلى هذه المعرفة الضاربة في عمق التاريخ وقدمه، في ذاكرة الإنسان التي تفيض عن ميناء الزمن.

الماء هنا له دلالاته المعمقة، فهو الجذر الرائع، الذاكرة الخصبة في تشكلاتها، عن أول صياد للؤلؤ، إنها المعرفة إذا نضحت من تحت الماء الأزرق، قامت الأرض على منابت المعرفة.

وفي سياق التقدم الزمني وتحولاته المكانية والبشرية، لم تتغير هذه الإمارة، لتؤكد بأنها حيةٌ، ولم لا، وهي التي جارة البحر، تجد كل شيء هنا حاضراً بزرقة المعرفة، وهذا ما يؤكد على عمق المكان وتكوينه الخلاق، وتحت كل حجر تجد معرفة وأثراً للإنسان الأول، البحر هنا رفيقك الأول، ومن يقترب منه يشم رائحة الأوليين.

البحر جرح قديم، صوت آخر للأرض، يسافر مع نجوم السماء ليلاً، وفي النهار ينضح في رئتك، هكذا أجد نفسي الآن وأنا أكتب عن بحر الشارقة، معرفة، لستُ غريبة عن هذا المكان، ولا عن جرحه، إنه صدى الأيام ومعرفته، صدى الروح والطفولة، وفي الليل أقترب منه، أقرأ على ضوء هديره، أشرب قهوتي الصباحية، وأسمع صوته كعاشق يتعبد، يقترب من الكلمات، من قهوة الصباح قبل أن تبرد، صباح الشارقة معرفة على أول فنجان قهوة، صباح الشارقة شجرة الكلام، وموسيقى الغد.

 
December 24, 2020 / 10:21 AM

مواضيع ذات صلة

أخبار ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.