جار التحميل...

mosque
partly-cloudy
°C,

عشرة من عشرة.... مع يوميات صالح

29 مايو 2025 / 9:00 AM
عشرة من عشرة.... مع يوميات صالح
download-img
حين تهبّ نسائم العشر الأولى من ذي الحجة، تهتزّ الأرواح المؤمنة شوقاً، وتنتفض القلوب توقيراً، وتُشرق الأرواح بأنوار الطاعة، وكأن الأرض كلها تستعد لعرسٍ إيماني فريد لا يشبهه أي زمان، إنها أيام اختصها الله بالفضل، وأحبّ الأعمال فيها إليه، قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام........".
اليوم الأول "يقظة القلب": مع أول فجرٍ من ذي الحجة، تبدأ الحكاية مع صالح، أفاق قلبه قبل أن يفتح عينيه، توضأ بماء التوبة، وتهيأ ليوم جديد بنيةٍ جديدة بأن يملأ كل لحظة من هذه الأيام بحسنات تَسُرّهُ يوم لا ينفع مال ولا بنون، في الهاتف كتب رسالة لأصدقائه: "العشر بدأت، لا تضيعوها، فأيامها كنوز".

اليوم الثاني "صوت التكبير في البيت": "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد".

امتلأ البيتُ بالتكبير من اليوم الأول، كما امتلأ القلب بالطمأنينة، فصار البيت مسجداً وطهوراً، وكل زاوية فيه تُردد نغمة السماء، وكما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما مِن أيَّامٍ أعظَمُ عِندَ اللهِ ولا أحَبُّ إليه مِن العَمَلِ فيهنَّ مِن هذه الأيَّامِ العَشرِ، فأكثِروا فيهنَّ مِن التَّهليلِ والتَّكبيرِ والتَّحميدِ".

اليوم الثالث "صدقةٌ خفية": خرج صالح من بيته، وفي جيبه مبلغ صغير، في الطريق، لمح رجلاً عجوزاً يبيع بعض الخضروات، فاشترى منه ما لا يحتاجه، ثم قال له مبتسماً: "دعاؤك فقط يا عمي، هو ما أريده"، رجع إلى بيته، وقد شعر أنه لم يُنفق درهماً، بل زرع شجرة يستظِل بظلها يوم القيامة.

اليوم الرابع: "ذِكرٌ لا ينقطع": في السيارة، في الباص، في المكتب، على الهاتف، في السوق، وقبل النوم.. صالح، لسانه لا يفتر عن: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"، وكأن هذه الكلمات كانت أجنحة تطير به فوق زحام الحياة، قال صلى الله عليه وسلم: "ما أَهَلَّ مُهٍلٌّ قطُّ إلَّا بُشَّرَ، ولا كَبَّر مُكَبَّرٌ قطُّ إلّا بُشَّرَ، قيل يَا رسُولً اللهِ: بالجنةِ؟ قال: نَعَمْ".

اليوم الخامس: "القرآن سراج القلوب": قيل للحسن البصري: "فلانٌ يحفظ القرآن! قال: بل القرآن يحفظه"، فالنفس إن كانت ضعيفة فقوِّها بالقرآن، وإن كانت قويّة فثبِّتها بالقرآن، وإن كانت حزينة فَسَلِّها بالقرآن، ففي العشر من ذي الحجة، كل حرفٍ بحسنة والحسنة بعشرة أمثالها أضعافاً كثيرة، وخَتمُ القرآن الكريم أو قراءته بنية التقرب إلى الله هو من العمل الصالح.

اليوم السادس "قيام الليل": في منتصف الليل استيقظ صالح، فرأى أباه وهو يصلي ويهمس في سجوده: اللهم اجعلني من المقبولين، فقال صالح بعد أن فرغ أبوه من صلاته.. ألا تنام يا أبي؟، فرد عليه قائلاً: يا ولدي: "دقائق الليل غالية فلا ترخصها بالغفلة".

اليوم السابع "الدعاء الخالص لغيرك بظهر الغيب": قال الأب لأبنائه: كل واحد يختار شخصاً، ويدعو له بظهر الغيب، دون أن يعلم، فقال صالح: دعوتُ لصديقي أن يوفقه في دراسته، وأن يجعله نافعاً لأهله ولوطنه، ففي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من دعا لأخيه بظهر الغيب، قال المَلَكُ المُوَكلُ به: آمين ولَكَ بمِثلٍ".

اليوم الثامن "صلة الرحم": بدأ صالح بتجديد العهد في صلة أرحامه، فصلة الرحم شجرة تُسقى بماء التزاور، وهي قربة إلى الله تعالى وصلة الرحم مجلبة للرزق، فقد جاء في صحيح البخاري، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أحب أن يُبسط له في رزقه ويُنْسأ له في أثره فَلْيَصِلْ رَحِمَه".

اليوم التاسع "يوم عرفة.. قمة التقرب": وقف صالح أمام ربه، قلبه خاشع، عيناه دامعتان، ولسانه يلهج: "اللهم اعتق رقابنا من النار، وبلغنا الجنة بلا حساب"، إنه يوم عرفة، صيامه قربة لله، إنه يوم الدعاء، يوم المغفرة، يوم العتق من النيران، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة" (رواه مسلم).

اليوم العاشر "العيد السعيد.. ثمرة الرحلة": جاء العيد، ففرحت القلوب الطاهرة، واغتسلت الأرواح بأريج الطاعة، وتَزيّن كل شيء: الثياب، الوجوه، والقلوب، لكن الفرحة الأعظم كانت في صدر ذاك المؤمن صالح: فرحة الزرع، وها هو يجني ثمار الطاعة في يوم الجائزة.

ختاماً: العشر من ذي الحجة ليست فقط أياماً نعدّها على رزنامة الحياة، بل هي لحظات عمرٍ تساوي دهراً من الغفلة، وهي فرصة سنوية لصقل الإيمان، وترميم ما تَهدَّم من الروح، وتجديد العهد مع الله، فطوبى لمن عرف قيمتها، واستثمرها بصدق، وعاش يومياته فيها كمؤمن صادق.
May 29, 2025 / 9:00 AM

مواضيع ذات صلة

أخبار ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.