الحمدالله انقضى العام الدراسي والاختبارات على الأبواب، ونسمع هنا وهناك كلمة تخرجنا كثيراً وألف مبروك للجميع، لكني معكم سنترجل غواصة الحروف لنغوص ما وراء تلك الكلمة، ونكتشف مرجانها ونبرز تلك الأيادي التي صنعت ذاك الخريج، وتلك الخريجة وهما الأب والأم.
نعم، أيها الخريج، حقك تسعد وتفرح في نجاحك، وحقهم عليك أن تذكرهم، بل تكرمهم قبل نفسك، فكم من أب يعمل ويشقى من أجلك، ويستحمل قساوة مسؤوله من أجلك، وكم نسي نفسه، وهندامه من أجل توفير سبل الراحة لأجل تكبر وتتخرج، كم توقفت سيارته المتهالكة والتي لا يستطيع تغييرها بسبب الميزانية المتواضعة كم جلس صامتا عاجزا أمام كثرة متطلبات الحياة، وكم أكل الأرق تفكيره وصحته تتراقص في عتبات الزمن.
وتلك الأم التي صوتها يصدح تدعوك إلى المذاكرة، وتفتح معك الدروس وتجهز ملابسك، حتى أكلك تجهزه في حقيبتك، وتسأل المعلمين وتنتظر نتائجك بفارغ الصبر، وتضمدك لو انجرحت، وتتوجع إن مرضت، وتأخذ من مصروفها كي تسد احتياجاتك لتكون عوناً لوالدك، بل تتنازل عن حقوقها لأجل إسعادك، وتعلمت القيادة كي تأخذك للمدرسة، وترجعك يومياً على مدار السنين، وضاع بصرها من كثرة التركيز، وتراقبك حباً كي لا تنحرف.
أيها الخريج، تأمل في مسرح التخرج، وانظر بين الحضور، ستجد صانعي المستقبل يستشرفون بدموع الفرح آفاقاً جديدة، حفظهم الله وغفر لهم إن كانوا قد توفوا، لن نوفيهم حقهم مهما فعلنا، فلنكن كما أرادوا، ونكن للوطن عنواناً.