جار التحميل...

mosque
partly-cloudy
°C,

مئوية مكتبات الشارقة ونبض الحبر الأول

03 يونيو 2025 / 9:00 AM
مئوية مكتبات الشارقة ونبض الحبر الأول
download-img
من عبق رائحة "اللُّجْنِين" المنتشرة في أروقة مكتبات الشارقة وميادينها، تقف الشارقة بكل وقارها وحنانها الثقافي أمام مئوية مكتباتها، كأمٍّ تحتضن وليداً بلغ أشده بعد قرنٍ من النور والورق والنبض، 100 عام مرّت على أول رفّ كُتب، على أول قارئ صغير شمّ رائحة الورق في صمت مكتبة، على أول حُلمٍ كبر بين دفّتَي كتاب، لينبت جيل يعرف معنى أن تكون المعرفة وطناً.
إنها ليست مجرد مكتبات، بل هي رحمٌ ثقافي، خرج منه أجيال تحمل رائحة اللُّجنِين – ذاك المزيج العجيب بين العقل والوجدان، بين البدايات المتعثّرة والأمل المتوقد، "اللُّجْنِين"، كما يعرفه أهل اللغة، هو أوّل ما يُشمّ من رائحة الشيء... وهي رائحة أوراق الكتب، ونحن في الشارقة، لا نزال نشمّ رائحة أول كتاب، أول قصة، أول قصيدة قُرِئت في ضوء خافت على طاولة خشبية.

لكن هذا العطر الذي لا يبهت، لم يكن ليدوم دون أنفاس رجلٍ آمن بأن الكلمة حياة، وبأن الأمة التي لا تقرأ، لا تعيش بل تموت قبل أوانها، إنه قارئ الدهور ومُرَمِّمُ ما تَقرؤهُ الصدور، وصديق الكتاب وما تحويه السطور، صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، أطال الله في عمره بالصحة والعافية، لم يكن سموّه مجرد راعٍ للمكتبات، بل كان قارئها الأول، وكاتبها، ومُفكرها، وباحثاً في بطون كُتُبِها، وصديق رفوفها الصامتة، وعاشق المكتبات، يقرأ ويكتب وينشر ويُهدي.

منذ سنواته الأولى في الحكم، جعل سموه من الكتاب مشروعه الأسمى، ومن المكتبة نواة نهضة ثقافية شاملة، لم يبنِ مجرد مبانٍ لاحتضان الكتب، بل شيّد جسوراً بين القارئ والقراءة، بين المواطن والمعرفة، بين الزمن والهوية، فها هي مكتبة الشارقة العامة، ومكتبة المدينة الجامعية، والمكتبة الذكية، وغيرها من المعالم التي تحمل بَصْمَتَه، تنطق بلسان واحد: هنا تُصنع الحضارة بالكلمة، وتُكتب بالحب.

ولعلّ أصدق ما يُقال: إن الشارقة لم تكن لتغدو عاصمةً للثقافة، لولا قلبٌ آمن بالحِبر، وفِكرٌ آمن بأن الأمة لا تنهض إلا بالكتاب، بل إن كلماته في المحافل الثقافية لا تنبع من خطابٍ سياسي، بل من قلبِ كاتبٍ يعرف ألم الكلمة وفرحَها، وهو القائل: "إذا أردنا أن نرتقي، فعلينا أن نقرأ"، فجعل من كل مشروعٍ عمراني في الشارقة، ظلاًّ لمكتبة، ومن كل طفلٍ يولد فيها، حكايةً تنتظر أن تُكتَب.

واليوم، ونحن نحتفل بمرور قرنٍ على مكتبات الشارقة، لا نحتفل بالبنيان والرفوف ونضرب الدفوف، بل نحتفل برؤية حاكم آمن بالكتاب يومَ تخلى عنه الكثير، وسار معه حتى أوصله إلى القلوب، وجعل من الشارقة عاصمةً للثقافة، لا بالاسم فقط، بل بالفعل والشهادة، لأن الكتاب كما يقول سموّه: "هو الصديق الذي لا يخون، ولا يُمَلّ، ولا يغيب، إنه رفيق العمر، وكنز الحياة".

وفي مئوية المكتبات، نستعيد شمَّ رائحة اللُّجْنِين، لا لنعود إلى الماضي، بل لنتأكّد أن جذورنا في الأرض، وأن فروعنا ممدودة للسماء، كما تفعل الكتب تماماً، حين تجد من يحتضنها كما فعل صاحب السمو حاكم الشارقة.
June 03, 2025 / 9:00 AM

مواضيع ذات صلة

أخبار ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.