مع ظهور التكنولوجيا المتقدمة وهيمنتها على الأحداث السياسية في العالم، ظهرت أهمية المنصات الرقمية، التي تعتبر أدوات حاسمة غَيرتْ جذرياً أوجه التفاعل الاجتماعي والثقافي والسياسي في كل مكان، فمن خلالها يستطيع الأشخاص الوعي بالقضايا العالمية في جميع أنحاء العالم والتزود بالمعلومات المنتشرة على المنصات الرقمية.
وتتنوع هذه المعلومات إلى معلومات حقيقية، أو معلومات مضللة، أو مغلوطة، أو خطاب الكراهية، أو التطرف، والتي باتت تلعب دورًا كبيرًا في التأثير على النظام السياسي للدول.
وتثار هنا جملة من التساؤلات حول المقصود بالمعلومات المضللة والمغلوطة وخطاب الكراهية، وما هو تأثير أدوات الذكاء الاصطناعي في إشاعة المعلومات المغلوطة والمضللة وخطاب الكراهية؟، وهل للمجلس الوطني الاتحادي دور في معالجة تهديدات الذكاء الاصطناعي؟، وما هي أهم المقترحات للتصدي لهذا النوع من المعلومات؟
إن المعلومات المضللة هي معلومات غير دقيقة تُشاع بنية الخداع وإيقاع الأذى بالغير، ويمكن أن تكون دولٌ أو أطراف أخرى هي مصدر لإشاعة المعلومات المضللة في ظروف متعددة منها النزاعات المسلحة، أما المعلومات المغلوطة فهي معلومات غير دقيقة تشاع عن غير قصد ويتبادلها الأفراد مع غيرهم بنية حسنة دون أن يدركوا أنهم ينقلون الأكاذيب.
أما خطاب الكراهية فهو نوع من أنواع التواصل في الكلام أو الكتابة أو السلوك، الذي يهاجم شخصاً أو جماعة أو يستعمل بحقهم لغة فيها نوع من التمييز في الهوية أو الانتماء الديني، أو العرقي، أو القومي.
وتؤثر إشاعة المعلومات المضللة والمعلومات المغلوطة وخطاب الكراهية على الفئة الأكثر ارتياداً على شبكة الانترنت وهم الشباب، بالتأثير على أفكارهم، ومعتقداتهم، وطبقاً لاستقصاء برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي أجري في عام 2021 وجد أن المعلومات الزائفة هي مصدر قلق كبير وخاصة في أوقات الأزمات أو الطوارئ أو النزاعات، فعلى سبيل المثال خلال جائحة كوفيد- 19 تم غمر الإنترنت بمعلومات زائفة حول الفيروس وتدابير الصحة العامة واللقاحات؛ مما أدى إلى رفض بعض الناس الحصول على التطعيم، أو اتخاذ الاحتياطات الصحية الأساسية بعد اطلاعهم على المعلومات الزائفة.
وأظهرت التقارير والأبحاث الحديثة، بأن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية أنتجت معلومات مغلوطة، ومعلومات مضللة وخطاب كراهية، وقُدمت للمستخدمين بطريقة مقنعة على أنها معلومات حقيقية من خلال برمجيات توليد الصور وأشرطة الفيديو المزيفة، التي تهدد سلامة المعلومات.
وتعتبر المعلومات المضللة قاتلة في الظروف الاجتماعية والسياسية، والتي قد تؤثر على الأنظمة السياسية للدول من خلال الانتقال من التضليل إلى تضخيم التوترات والانقسامات في حالات الطوارئ أو الأزمات السياسية أو النزاع المسلح أو الطوارئ المناخية عن طريق استخدام المنصات الشعبية الكبيرة.
ولقد كانت حكومتنا الرشيدة سباقة في حماية المنصات الرقمية من تهديدات الذكاء الاصطناعي، حيث تبنت الحكومة جهوداً استباقية في حوكمة الذكاء الاصطناعي، وتطوير الأمن السيبراني في المنصات الرقمية التابعة للحكومة، بعد إعادة تقييم استراتيجيات الأمن السيبراني وسياسات أمن شبكة الإنترنت لمواجهة تهديدات الذكاء الاصطناعي.
كما أطلقت الدولة استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي (AI) في أكتوبر 2017، وأنشأت وزارة الذكاء الاصطناعي لتطبيق أنظمة الذكاء الاصطناعي في جميع الخدمات والقطاعات الحكومية، والبنية التحتية المستقبلية في الدولة بشكل يوائم مئوية الإمارات 2071.
وأما المجلس الوطني الاتحادي فقد كان له دور بارز في مناقشة ودراسة سبل الحماية من خلال تبنيه لموضوع عام حول "سياسة الحكومة بشأن الذكاء الاصطناعي “، للتعرف على مفهوم الذكاء الاصطناعي وإيجابياته وعيوبه ومجالات تطبيق الذكاء الاصطناعي والتشريعات المنظمة له، ودور الحكومة في تطبيق أنظمة الذكاء الاصطناعي، من أجل رفع توصيات استباقية للحكومة تهدف إلى الاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في القطاعات ذات الأولوية في الدولة، وحماية البيانات الوطنية من تهديدات أدوات الذكاء الاصطناعي.
ومن أهم المقترحات لمواجهة هذه التحديات هو سن قوانين وتشريعات تحد من انتشار المعلومات المضللة أو المغلوطة أو خطاب الكراهية ومراقبة المحتوى الرقمي لمنصات التواصل الاجتماعي، وضمان حصول الجمهور على معلومات حكومية دقيقة وشفافة ورسمية ذات مصادر موثوقة، بالإضافة إلى دعم وسائل الإعلام المستقلة بشأن التحقق من صحة المعلومات باللغات المختلفة وتمويلها، وتدريب أفرادها.
وإلى جانب ذلك زيادة عدد الحملات التوعوية للتشجيع على فهم عمل المنصات الرقمية بشكل أفضل، والأوجه الممكنة لاستخدامها، والتعرف على المعلومات المضللة أو المغلوطة أو خطاب الكراهية والتصدي لها، لضمان حماية أفراد المجتمع من شباب ومراهقين وأطفال في المساحات الإلكترونية.
وفي الختام تعتبر سلامة المعلومات على المنصات الرقمية أولوية ملحة للمجتمع الدولي، والتي تحد من تأثير المعلومات المغلوطة والمعلومات المضللة وخطاب الكراهية، من خلال اتخاذ الإجراءات والتدابير على الصعيد الوطني والدولي لجعل الفضاء الرقمي أكثر شمولاً وأماناً للجميع، ومن هنا تظهر الحاجة إلى تسريع إجراءات وتدابير تحفظ المجتمع من المعلومات المضللة والمغلوطة وخطاب الكراهية.