جار التحميل...

mosque
partly-cloudy
°C,

"أبحث عن كتاب"

04 نوفمبر 2025 / 9:42 AM
صورة بعنوان: "أبحث عن كتاب"
download-img
ساعاتٌ قليلةٌ تفصلنا عن افتتاح معرض الشارقة الدوليّ للكتاب، ومع اقتراب اللحظة المنتظرة، أشعر وكأنني أتهيّأُ لرحلةٍ لا تُشبه سواها؛ رحلةٍ لا أبحث فيها عن مؤلّفٍ بعينه، ولا عن عنوانٍ محدّد، بل عن نفسي التي ستضيء بين الرفوف، أنتظر هذا الحدث كما ينتظر العطشان أول قطرات الغيث، أَجيءُ إليه محمّلاً بشوقٍ لا إلى اقتناء الكتب فقط، بل إلى أن أُعيد ترتيب نفسي بين صفحات الكتب.
في هذا المعرض، لا تُباع الكتب فحسب، بل تُزهِر الحكايات وتلتقي الأرواح، كل وجهٍ يعكس قصة، وكل يدٍ تَمتدُّ نحو كتابٍ تحمل في طيّاتها رغبةً في التنمية والعطاء، أو حنيناً إلى مكان أو كلمة تُحَوِّلُ الطموحَ إلى شغفٍ، إنه عيدٌ للمعرفة واحتفالٌ بالحياة، تتجدّد فيه أرواح القُرّاءِ كما تَتَجدّدُ المدينة بالأضواء، وتغدو الشارقة في كُلَّ عامٍ منارةً تُذكِّرنا أنَّ الثقافة ليست تَرفاً، بل نبضاً يجمعُنا، وجِسراً يصل القلوب بالعقول.

كل عامٍ والشارقةُ تزدانُ نوراً وخيراً، وكلُّ عامٍ يَفيضُ معرِضُها كبحرٍ زاخرٍ بالوجوهِ المشرِقةِ، هذا يبتغي عِلماً يُوسّعُ آفاقَه، وذاك يبحثُ عن سكينةٍ تُنعشُ روحَه، وتلك تستلهمُ من الصفحاتِ أملاً جديداً يُورِقُ في قلبها، وآخرُ ينشدُ كتاباً يصقلُ مهارتَه ويُحلِّقُ بفكرِه نحو العُلا، ولعلَّ الأرقامَ تشهدُ على هذا الشغفِ الإنسانيِّ والعشقِ القِرائي؛ فقد استقطب المعرض نحو 2.19 مليون زائر عام 2023، ونحو 1.82 مليون زائر عام 2024، لتبقى الشارقة شاهدةً على أنَّ العلاقة بين الإنسان والكتاب لا تنقطع مهما تغيّر الزمان والمكان، وإنني أؤمن أنَّ القراءة ليست ترفاً، بل عبادةُ فكرٍ وسلوكٍ يُهذبان النفس ويُنضِجان الوَعيَ، وكما قال صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة – حفظه الله – عن فكرة القراءة: "إنَّ البطون إذا جاعت أكلت الجِيَف، وكذلك العقول إذا جاعت أكلت عُفونة الأفكار... ولابد أن نملأ هذه العقول بالفكر النافع، وأحسنُ فكرٍ نافعٍ هو الإيمان بالله"، وهذا ما أشار إليه ابن خلدون في مقدمته حين قال: "إن العلوم تزيد العقول شرفاً، وتصقل النفوس تهذيباً"، وكانت أولَ كلمةٍ خُوطبَ بها النَبيُّ - صلى الله عليه وسلم- كانت كلمة: (اقرأ).

وأنا أستعد لدخول المعرض، أتخيّل الأجنحة أبواباً إلى عوالم مختلفة، وأنَّ الكتب كرفقاءَ سفرٍ يعرفون الطريق إلى القلب قبل العقل، وهنا أتذكّر دراسةً ميدانيةً أُجريت في جامعة الشارقة على 120 طالباً، كشفت عن تفوّق الاتجاهات الإيجابية نحو القراءة، وتبيّن أن أكثر مجالاتها انتشاراً هو الاجتماعي والثقافي، ثم الديني، ثم الترفيهي، نتائجٌ تذكّرنا أنَّ العلاقة بين الإنسان والكتاب لا تقوم على المعرفة وحدها، بل على الإصغاء الصادق للكلمة.

عزيزي القارئ ليس بينك وبين الكتاب إلا أن تُصغي إليه بقلبٍ نابضٍ، لا بعقلٍ عابر، ففي لحظة الانتظار لافتتاح المعرض، يراودني إحساسٌ أنَّ هناكَ كتاباً ينتظرني أيضاً، كأنه مرآةُ قلبي أو رسالةٌ تأخرت لتصل في أوانها، فالكتب لا تأتي مصادفة، إنما لأننا نكون على استعدادٍ خَفيٍّ لاستقبالها في لحظة صفاءٍ وصدق، والمعرض ليس مُجرّد حدثٍ سنوي، بل ربيعٌ للأرواح، تزهر فيه الحروف كما تزهر الحقول بعد المطر، وكل من يعبر بوّاباته يحمل في عينيه شغفاً، وفي قلبه سُؤالاً ناعماً كالحلم: "ماذا سأكون بعد قراءةِ هذا الكتاب؟".
 
November 04, 2025 / 9:42 AM

الكلمات المفتاحية

أخبار ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.