في أحد الأيام، كنت أقود سيارتي وسط زحام خانق، تتصاعد فيه أصوات الأبواق والضجر، حتى سمعت من بعيد صفّارة سيارة إسعاف تشق طريقها بين السيارات، وبدأ الجميع يفسح لها المجال، وكأن المدينة بأكملها توقفت لتمنح الحياة فرصة جديدة تمرّ من بيننا.
وكانت السيارات تتحرك بتناسقٍ جميل، يفتح ممراً ضيقاً للأمل، لكني لاحظت أن بعض السائقين استغلوا الفراغ خلف سيارة الإسعاف ليتبعوها، طمعاً في الخروج من الزحام بسرعة، وللحظةٍ، كدت أفعل مثلهم، وكدت أتحرك خلفها ظنّاً أن لا ضرر في ذلك.
لكنني توقفت، لقد توقفت لأن ضميري قال لي: "تلك السيارة لا تحمل طريقاً مفتوحاً، بل تحمل وجعاً مغلقاً على إنسانٍ يصارع الألم، وأُسرةٍ بين رجاءٍ وخوف".
كيف لي أن أستفيد من مصيبة غيري؟ كيف أستغل لحظة بلاء إنساني لأربح بضع دقائق من وقتي؟ كيف أبني مصلحتي على ابتلاء غيري؟ وهل يجوز أن يقتات الميت على الحي؟! والغني على الفقير؟! والصحيح من العليل؟
وتراجعت إلى مكاني وشعرت براحةٍ غريبة، وأدركت أن المروءة ليست في أن تصل أولاً، بل في أن تصل نظيف القلب، مؤمناً بأن النبل الحقيقي هو أن تتوقف عندما يندفع الآخرون، لأنك أدركت أن الطريق ليس لك.
إن ذلك الموقف البسيط علّمني أن الأخلاق الحقيقية تُختبر في لحظاتٍ كهذه، حين تكون الفرصة سانحة لتغتنم، ولكنك تختار أن ترتقي.