في زمنٍ غلبت فيه المادّة على المعنى، وازدحمت فيه الأرقام حتى صار الإنسان يُقاس بما يملك لا بما يُقدِّم، تشعُّ من الشارقة بارقةُ نورٍ تُعيد للحياة دفأها الإنساني وروحها الأصيلة، من هنا، من إمارةٍ تجتمع فيها الحكمة والرحمة، ارتفع صوت الحاكم الإنسان، صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ليقول بعبارةٍ تختصر فلسفة القيادة الرحيمة والاقتصاد العادل: "درهمٌ واحد فقط".
جملةٌ صغيرة في مبناها، كبيرة في معناها، أعلنها سموّه حين وجّه بأن تكون الرسوم السنوية لأصحاب الرخص المنزلية في سوق الجمعة بمليحة درهماً واحداً فقط، قرارٌ يجيء في زمنٍ تتكاثر فيه الأعباء على الناس، وتتسابق الأسعار لتثقل كاهل الأسر المنتجة، لكنه لم يكن قراراً مالياً بقدر ما كان رسالةَ رحمةٍ وعدلٍ، خرجت من قلب قائدٍ يرى أن كرامة الإنسان لا تُسعَّر، وأن التنمية الحقيقية تبدأ من الوجدان قبل البنيان، ذلك الدرهم الواحد ليس رقماً عابراً في سجلٍّ مالي، بل هو درهم الكرامة الذي يعيد للتجارة معناها الشريف، وللرزق طعمه الحلال، وللعمل هيبته التي تحفظ للإنسان مكانته وكرامته.
إنه قرارٌ يجعل من تطبيقه منهجاً، ومن التيسير سبيلاً، ومن الرحمة أساساً لتعاملنا في الحياة، حيث يجسّد هذا القرار في عمقه مقاصد الشريعة الإسلامية التي جاءت لحفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال؛ فسموّه في توجيهه هذا يحفظ أموال الناس من المشقة، ويصون أنفسهم من العوز، ويعين الأسر على الاستقرار، ويغرس في المجتمع روح التكافل والتراحم، فيتحقق بذلك مقصد الشريعة الأعظم: رفع الحرج عن الناس وتيسير سبل الحياة لهم، مصداقاً لقوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة: 185].
وهذا النهج الإنساني ليس جديداً في التاريخ، فقد سار عليه قادةٌ عِظام، منهم عمر بن عبد العزيز الذي كتب إلى عمّاله قائلاً: "خفِّفوا عن الناس، فإن الناس لا يحتملون ما كنتم تحتملون"، إنه نهجٌ يضع الإنسان في مقدّمة الاهتمام، قبل المال والمكان.
واليوم، يُعيد حاكم الشارقة – حفظه الله – هذا المعنى الأصيل في زمنٍ كثرت فيه الأرقام وقلّت فيه المشاعر، ليذكّرنا أن القوانين ليست سلطةً على الناس، بل رعايةٌ لهم، واحتواءٌ لمعاناتهم، ووفاءٌ لإنسانيتهم.
هكذا هي الشارقة… مدينةٌ تحفها الرحمة، وتُدار بالحكمة؛ قراراتها بسيطةٌ في ظاهرها، عميقةٌ في أثرها، لأنها تصدر من قلبٍ يعرف أن الخير لا يُقاس بالمقدار، بل بالنية الصادقة، فسلامٌ على سلطان القلوب الذي جعل من التيسير شريعة، ومن الرحمة دستوراً، ومن القرار الصغير درساً كبيراً في الإنسانية، وسلامٌ على الشارقة التي تُعلّمنا كلَّ يومٍ أن درهماً واحداً إذا خرج من قلبٍ رحيمٍ صادق، يُغني عن ألف قرارٍ بلا روح.