وفي ظل هذا الزخم، تتبلور فكرة مبادرات الشارقة للإبداع والتميّز بوصفها مساحة فكرية تشاركية تجمع بين العقول والخبرات من مختلف الجهات الحكومية والأكاديمية والمجتمعية، بهدف تطوير الأداء، وتحفيز الابتكار، واستشراف مستقبل أكثر كفاءة وتكاملاً، ليست هذه المبادرات مجرد أُطر إدارية، بل منارات فكرية وعقولاً استراتيجية ناضجة تسعى إلى جعل القرار ناتجاً عن تشاورٍ عميق يوازن بين الرؤية والطموح والواقع التنفيذي.
ولأن الشارقة كانت ولا تزال رائدة في الجمع بين الفكر والعمل، فإن تعزيز مثل هذه المبادرات ينسجم مع نهجها في تحويل الإبداع إلى قيمة إدارية ومكانية معاً، فالإبداع في التخطيط الحضري مثلاً لا ينفصل عن الإبداع في إدارة الموارد، والتميّز في الأداء لا يتحقق إلا بعقلٍ جماعيٍّ يفتح المجال للحوار والتجريب والتطوير المستمر.
ولنا في قصص السابقين عبرة، فقد كانوا يرون في المشاورة أساساً للإبداع والرأي الرشيد، فقد رُوي أن الحسن البصري رحمه الله، كان يقول: "ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار"، وكانوا يعدّون الرأي الجماعي من تمام العقل، لأنّ " العقول إذا اجتمعت على أمرٍ أضاءت كما تضيء النجوم في ليلٍ مظلم"، وفي هذا المعنى يقول عمر بن عبدالعزيز رحمه الله "إنّ المشورة حصنٌ من الوقوع في الندم، ومن استبدّ برأيه هلك"، وهي مقولة تُعبّر عن جوهر الفكر الإداري الحديث الذي تتبنّاه الشارقة في إدارة التنمية والتطوير.
ولقد أثبتت تجارب الأمم أن المجتمعات التي تؤمن بقوة الفكر المتزن والسويّ، قبل وفرة الموارد، هي التي تضمن لنفسها الاستدامة والريادة، ومن هنا، فإن وجود عقول تشجّع على التفكير الجماعي وتجمع بين صناع القرار والمبدعين والخبراء، هو خطوة طبيعية في مسار التنمية الشاملة التي تقودها الشارقة بثقةٍ ورؤيةٍ واضحة.
إن تعزيز بيئات الحوار والإبداع، وتبادل الرؤى بين الجهات، هو ما يصنع الفرق بين الإدارة التقليدية والإدارة المتميزة التي تصنع المستقبل، والشارقة اليوم تملك المقوّمات الإدارية والقيادية التي تجعلها في موقع متقدّم من الإبداع، والتميّز، والفاعلية، يقول ابن شهاب الزهري "العلم خزائن، ومفتاحها السؤال فاسألوا ، يُرزق علماً من لم يكن يعلم"، وهذه الحكمة تذكّرنا بأنّ الحوار وتبادل المعرفة هما أساس كل تميّز مستدام، فالمؤسسات لا تتطور بقراراتها فقط، بل بثقافة تفكيرها، وعندما تصبح الشارقة بيئةً تُحترم فيها الفكرة وتُستثمر فيها الطاقات، فإنها لا تبني مشاريع فحسب، بل تصنع نموذجاً إدارياً حضارياً يستحق أن يُروى للأجيال القادمة ويُحتذى به.