جار التحميل...
وفي هذا التداول حِكَمٌ عظيمة ومواعظ بالغة لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد.
فإن شِئت ألا تدور عليكَ الدوائر بما لا تحمد عقباه فاحفظ لسانك وجوارحك عن 3 أمور هي من أخطر ما يعصم الإنسان من الأدوار:
كم من إنسان أخطأ ثم استتر بستار الله، فلم يفضحه في ملأ عام، فإذا بك تنسى نعمة الستر عليك في مواطن كثيرة، فتخرج عورة أخيك من دائرة الاستغفار إلى دائرة الإعلان، أتنسى وأنت تفضحه أن الستارة واحدة؟ وأن الذي ستره قد يفضحك إذا فضحته؟ إن الله حيي ستير يحب الحياء والستر، فمن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، وإن إخفاء العورة وصيانة العرض ليس شفقة على المخطئ فقط، بل هو حصانة لك من أن تُكشف عوراتك عندما تدور الدوائر، وتتعثر قدمك حيث تعثرت أقدام غيرك.
لا تفرح بسقوط غيرك، ولا تظن أن نعمة استقامة حالك ستكون أبدية. فاليد التي ترفعك قادرة على خفضك، والقدم التي ثبتت على الأرض قد تزل.
إن الشماتة تدل على غفلة قلبية عن حقيقة الدنيا ونسيان أن العاثر قد يكون أقرب إلى الله من الشامت. ربما كان سقوطه تطهيراً له ورفعك اختباراً لك، فإذا اشتمت به، فقد تكون قد اشتمت بمحبوب عند الله اختبره بالبلاء ليرفعه. واعلم أن فرحة الساعة بالشماتة قد تعقبها حسرات السنين عندما تتبدل الأحوال، وتدور الدائرة على الشامت قبل المشموت به.
السخرية من المصابين، سواء كان بلاءً في الجسم أو المال أو العرض دليل على قسوة القلب وغلظة الطبع. إن الذي يبتليهم هو الذي أعطاك الصحة والعافية وهو القادر على أن يبدل الأدوار فيلمسك بما مسهم به.
كم من سليم سخِرَ من أعرج، فما لبث أن أصبح مثله!، وكم من غني استهزأ بفقير، فما عتم أن أدركه الفقر! إن البلاء ليس عيباً، وإنما العيب أن ينظر الإنسان إلى مبتلى بنظرة الاحتقار والازدراء.
تذكر دائماً أنك تحمل في جيبك تذكرة البلاء، ولكنك لا تعلم متى يحين موعدها، إن هذه الوصايا الثلاث ليست مجرد أخلاق اجتماعية فحسب، بل هي قوانين إلهية في تعامل الأقدار، فمن رحم مُبتلى رحمه الله عندما يصير إلى حاله، ومن ستر عورة إنسان ستر الله عورته في الدنيا والآخرة، ومن كف عن الشماتة كف الله عنه شر الدوران.
فليعمل كل منا وهو يرى تقلبات الأيام من حوله وتداولات الأحوال بين الناس أن يزرع اليوم ما يحصد غداً، فكما تدين تدان وكما تعامل الناس تعامل.