جار التحميل...
تترتَّب على غسيل الأموال أضرار كثيرة في الاقتصاد الدوليّ والعالَمي؛ ممّا دفع الدول المختلفة إلى تجريمها، بما فيها دولة الإمارات العربية المتحدة؛ بإنشاء منظومة متكاملة تحت مُسمَّى مواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب في الدولة.
تُعَدّ مرحلة "التمويه" واحدة من مراحل عملية غسيل الأموال الثلاث: الإيداع، والتمويه، والإدماج، وتتضمَّن إجراء عمليات مصرفية مُعقَّدة؛ لإخفاء مصدر الأموال غير المشروع، وتحويلها إلى أموال قد تبدو مشروعة، مثل: إجراء العديد من التحويلات المالية عبر حسابات عِدَّة إلى بنوك أجنبية أو دول مختلفة؛ ممّا يجعل تتبُّعها أمراً صعباً.
وهذا يعني أنّ أموالاً كان سيُستَفاد منها بوصفها جزءاً من الدخل القومي للدولة؛ كاستثمارها في إنشاء مشروعات إنتاجية تُعزِّز الدخل القومي، سيجري اقتطاعها وإبعادها إلى بنوك أجنبية؛ ممّا يُسهم في فقدان إيرادات مُحتمَلة للدولة، ومن ثَمَّ التأثير سلباً في الاقتصاد الوطني.
وتنجم عن انخفاض مقدار الدخل القومي مشكلات اقتصادية عديدة، مثل: ارتفاع مُعدَّلات البطالة، وارتفاع تكاليف الفائدة، وغيرها، بالإضافة إلى أنّ وجود اقتصاد خَفِيّ غير مُعلَن عنه مُتمثِّل بالأموال الناتجة عن غسيل الأموال ومصادرها غير المشروعة، يُسهم في زيادة الفجوة بين الدخل القومي الرسمي المُعلَن عنه، والدخل الآخر الحقيقيّ غير الرسميّ؛ ممّا يخلق خللاً في السياسة المالية للدولة، ويُؤثّر سلباً في الاستقرار الاقتصادي.
يُعرف توزيع الدخل القومي بأنّه الطريقة المنهجية المُتَّبعة لتقسيم الدخل القومي بين سُكّان دولة مُعيَّنة بفئاتهم المختلفة.
والخلل في السياسة المالية للدولة الناتج عن السبب المُوضَّح آنفاً، يحُدّ من قدرة الدولة على إعادة توزيع الدخل القومي بما يُحقِّق أهدافها؛ إذ يتطلَّب تحقيق التوزيع بفاعليَّة معرفةً دقيقة بحجم الدخل القومي الفعليّ، والتي لن تكون ممكنة بوجود معاملات مالية خَفِيّة غير مشروعة.
وتكدُّس الأموال في يد هذه الفئة من الناس يُمكن أن يتسبَّب في ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي الذي يٌؤدّي بدوره إلى زيادة الطلب الكُلّي على السِّلَع والخدمات؛ فتبدأ الشركات بزيادة أسعار مُنتَجاتها، وانتشار الأمر ذاته في العديد من القطاعات التجارية والشركات سيتسبَّب في ارتفاع الأسعار عموماً، ويُعرِّض الدولة لمشكلات اقتصادية، أبرزها التضخُّم الذي يتمثَّل بالارتفاع الكبير والمتواصل في تكلفة السِّلَع والخدمات، إلى جانب تراجع القوّة الشرائية.
تُعَدّ التجارة غير المشروعة من أدوات غسيل الأموال التي تُستخدَم للحصول على المال غير المشروع، مثل: تجارة المُخدّرات، أو الأدوية غير المُرخَّصة، أو الأسلحة غير المُرخَّصة، وبما أنّ هذا النوع من التجارة غير قانونيّ، فمن غير الممكن استيفاء الضريبة جرّاء العمل به؛ إذ إنّه لا يخضع للضريبة، وإنّما يتطلَّب الأمر حَظر هذه الأعمال؛ للحَدّ منها.
وعليه، لن تستفيد الدولة من الإيرادات الضريبية المُحتمَلة التي كانت ستترتّب عليها فيما لو كانت أعمالاً تجارية مشروعة؛ ممّا يؤدّي إلى انخفاض مُعدَّلات الإيرادات الضريبية.
ومن ناحية أخرى، يستخدم غاسِلو الأموال طرقاً خفِيّة ومُعقَّدة لإخفاء دخولهم التي تبدو في ظاهرها ناتجة عن أعمال مشروعة؛ ممّا يحول دون تتبُّع الضرائب وجمعها من قِبَل السُّلطات الضريبية، ومن ثَمَّ التأثير مباشرة في قدرتها على تقديم الخدمات العامّة الأساسية، والمزيد من التَّبِعات الاقتصادية والاجتماعية السلبية على نطاق واسع.
يُسبِّب غسيل الأموال حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي؛ فقد يُؤدّي توجيه الأموال غير المشروعة نحو مشاريع مالية مشروعة إلى خلق حالة مُصطنَعة من "زيادة الطلب" تجاه أصول مُعيَّنة؛ فمثلاً، يُمكن لغاسِلي الأموال استخدام مبالغ كبيرة جداً من الأموال غير المشروعة؛ لشراء عقارات قانونية، وبهذا، ستنشأ حالة من زيادة الطلب في سوق العقارات، وترتفع أسعارها بمُعدَّلات غير طبيعيَّة تبعاً لذلك؛ ممّا يُلحِق الضرر بالقدرة الشرائية للمواطنين أيضاً.
غالباً ما يرتبط غسيل الأموال بالأنشطة الاحتيالية تجاه المصارف والبنوك والمؤسّسات المالية؛ إذ يُحاول المُتورِّط في غسيل الأموال الاحتيال على المؤسسات المالية؛ لتمرير أمواله غير المشروعة؛ ممّا يُضِرّ بصورة المصرف، ويُؤثِّر سلباً في ثقة العملاء به، وهذا قد يتسبَّب في فقدانه عُملاء ذوي قيمة، إضافة إلى ما ينطوي عليه الأمر من تأثُّر المصرف مالياً، وحاجته إلى وضع المزيد من القيود التنظيمية.
ومن جهة أخرى، يُمكن للبنوك أو المصارف أن تتعرَّض للإفلاس إن كانت المؤسسات المالية التي تُموِّلها تعتمد في رأس مالها على الأموال غير المشروعة المُتحصَّلة من غسيل الأموال؛ إذ ستعتمد هذه المؤسسات على تحويل رأس مالها إلى الخارج؛ بغرض التمويه، والحماية؛ ممّا يُنتِج مشكلات في توفُّر السُّيولة اللازمة لاستمرار أعمال البنوك المُرتبِطة بها.
يؤثِّر غسيل الأموال في قيمة العملة الوطنية بأكثر من طريقة؛ فمثلاً، تتأثَّر سُمعة الدولة سلباً إذا ما عُرِف شُيوع غسيل الأموال فيها؛ فتقِلّ ثقة الدُّول الأخرى بها؛ ممّا يُقلِّل التعاملات المالية بينها، وينخفض سِعر قيمة عُملتها الوطنية تبعاً لذلك.
ومن جهة أخرى، يُمكن أن تنخفض قيمة العملة الوطنية إذا جرى تحويل مبالغ كبيرة من الأموال المغسولة إلى هذه العملة؛ إذ سيحدث في هذه الحالة "ارتفاع مُصطنَع" في قيمة العملة؛ نتيجة تداولها كثيراً، فتتعرَّض العملة للتضخُّم، وفي المقابل، يُمكن لسحب العملة الوطنية بصورة مفاجئة، وبمبالغ كبيرة من الأموال المغسولة، أن يتسبَّب في انخفاض قيمتها؛ لوجود حالة زائفة تُظهِر انخفاض قيمتها.
يؤدّي غسيل الأموال إلى انعدام الاستقرار المالي في قطاعات عديدة في الدولة، وهو يُضعِف مصداقية الاقتصاد الوطني على الصعيد الدولي، ويعكس شُيوع غسيل الأموال في الدولة تفشّي الفساد، وضعف النظام المالي؛ ممّا يجعل المستثمر الأجنبي أقلّ انجذاباً للاستثمار فيها؛ تجنُّباً لتعريض أعماله للخطر، ومن ثَمَّ يتراجع حجم الاستثمارات الأجنبية في الدولة، ويضعُف نُمُوّها الاقتصادي.
وإلى جانب ذلك، قد تفرض الدول التي تُعاني من مشكلات غسيل الأموال المزيد من القُيود على إنشاء الأعمال التجارية واستمرارها، بالإضافة إلى فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية المُرتبِطة بهذه القُيود؛ بهدف تعزيز الحماية؛ ممّا يُؤدّي إلى تعقيد البيئة الاستثمارية فيها.
المراجع
[1] moec.gov.ae, مواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب
[2] sanctionscanner.com, The Global Impact of Money Laundering on Financial Systems
[3] amf.org.ae, مخاطر غسل الأموال
[4] rba.gov.au, Causes of Inflation
[5] fastercapital.com, The Impact Of Money Laundering On The Economy