البيتكوين: هل هي مستقبل المال أم مجرد وهم؟

ما الذي يجعل مستقبل المال في البيتكوين؟

في ما يأتي أبرز ما يُمكن أن يجعل البيتكوين عملة عالَميَّة ذات مُستقبَل مُشرِق:

العملة الأكثر شهرة والأعلى قيمة في السوق المالي الرقمي

تُعَدّ البيتكوين في الوقت الحالي أشهر العُملات الرقمية المُشفَّرة على الإطلاق، وأعلاها قيمة أيضاً، وفقاً لموقع كوين ماركت كاب (CoinMarketCap) المُتخصِّص في تتبُّع وتقييم العملات الرقمية المُشفَّرة؛ إذ بلغ مُتوسّط سِعر عُملة البيتكوين الواحدة في عام 2024 نحو 60,000 دولار، ويُتوقَّع أن يصل إلى 127,500 دولار عام 2030.

الشعبية المتزايدة بين المستثمرين والجذب المُستمِرّ لهم

يرى كثير من المُستثمِرين أنّ البيتكوين مصدر للرِّبح، وعملة مستقبليّة ناجحة تُدِرّ المال عند استخدامها لغايات الاستثمار طويل الأجل، وتُحقِّق الأرباح عبر ارتفاع قيمتها مع مرور الوقت.

وعلى الرغم من أنّ عدد مُستَخدِمي هذه العُملة لا يُمكن تحديده بدِقَّة؛ لطبيعتها اللامركزية، والبروتوكولات التي تعتمد عليها في عملها، والتي تمنح المستخدمين قدراً كبيراً من الخصوصية، وتجعل من الصعب تتبُّعهم، فإنّه يُمكن الاستفادة من حجم التداول بهذه العملة، واعتباره مُؤشِّراً لتقدير عدد المستخدمين؛ إذ يُشير إلى إجماليّ قيمة البيتكوين التي جرى شراؤها وبَيعها خلال فترة زمنية مُعيَّنة عادةً ما تكون 24 ساعة.

فعلى سبيل المثال، في 14 مارس 2024، تجاوز حجم تداول البيتكوين 73 مليار دولار، مُقارَنةً بـ 1 مارس 2020 الذي كان حجم التداول فيه نحو 8 مليارات دولار فقط، وفقاً لموقع كوين ماركت كاب (CoinMarketCap).

الاعتماد على تقنية البلوك تشين الحديثة والمُتطوِّرة

يُعَدّ البيتكوين من أبرز تطبيقات التقنية الحديثة سلسلة الكُتل والمعروفة باسم بلوك تشين (Block Chain)؛ وهي تقنية رائدة في مجال العُملات المُشفَّرة، تحافظ على البيانات وتحميها؛ عبر ربطها بسلسلة رقمية تحفظ البيانات، وتُشفِّرها، وتختمها رقمياً، وتُوثِّقها زمانياً وفقاً لمعايير عالَمية؛ لتكون غير قابلة للتعديل أو الحذف.

وتُوفِّر البلوك تشين قدراً عالياً من الموثوقية، والشفافية، والأمان في التعاملات المالية، وتزيد أيضاً الكفاءة، والسُّرعة، والإنتاجية، وهو ما تحتاج إليه الدُّوَل لمُستقبَل مالي أكثر أماناً وفعالية؛ إذ بدأت الحكومات في مختلف أنحاء العالم في تبنّي هذه التقنية؛ لتقديم خدمات حكومية أفضل، واعتماد الأنظمة الإلكترونية في العديد من المجالات بحيث يُمكن الوصول إلى البيانات فيها بكلّ شفافية من مختلف فروع الجِهات الحكومية. 

ومن الجدير بالذكر أنّ دولة الإمارات تُعَدّ من الدُّول التي منحت اهتماماً كبيراً لتقنية البلوك تشين، واعتمدتها في العمل الحكومي؛ عبر ما يُعرَف بـ "استراتيجية الإمارات للتعاملات الرقمية" التي أطلقتها عام 2021.

الوجه الخفي للبيتكوين: هل هي مُجرَّد وَهم؟

يرى البعض أنّ البيتكوين مُجرَّد وهم قد يختفي مع مرور الوقت لأسباب عِدَّة، أبرزها ما يأتي:

القُيود المُرتبِطة بالحكومات

على الرغم من اكتساب البيتكوين شهرة واسعة وزيادة عدد مُتداوِليها، فإنّ احتمالية حظر بعض الحكومات استخدامها بوصفها وسيلة للدفع، أو فرض المزيد من القيود على المستخدمين أمر وارد؛ لعدم إمكانية تتبُّع المعاملات التي تجري بوساطتها، وللحفاظ على قيمة العملات المحلّية الحكومية وأنظمتها الماليّة؛ ممّا يحُدّ من تبنّي الحكومات هذه العُملة على نطاق واسع.

التقلُّب المفاجئ في سِعر البيتكوين

في عام 2009، أُنشِئت البيتكوين، وكانت حينها عُملة عديمة القيمة تقريباً، إلّا أنّها بعد ذلك شَهِدت طفرات هائلة من حيث القيمة السوقية، وبدأت تكتسب وزناً مالياً جيّداً على فترات مختلفة، وبصورة عامَّة، هناك تغيُّر مُستمِرّ في أسعار البيتكوين، حتى وإن كانت المُؤشِّرات الحالية تدلّ على ارتفاع أسعارها؛ فالاستثمار فيها ما يزال محفوفاً بالمخاطر، والربح والخسارة الكبيرة فيها أمران واردان.

لذا، من الصعب التنبُّؤ بقيمة البيتكوين بعد 20 عاماً مثلاً؛ لأنّ هناك العديد من العوامل التي تتحكَّم في ذلك، منها عوامل تقنية، وأخرى اقتصادية، وغير ذلك؛ ممّا يعني أنّ قيمة البيتكوين قد تصل آنذاك إلى ملايين الدولارات أو قد لا تُساوي شيئاً.

المخاوف المُتعلِّقة بالتعرُّض للاحتيال

على الرغم من أنّ تقنية البلوك تشين التي تعمل بها البيتكوين آمِنة بحَدّ ذاتها، فإنّ المِنصّات والتطبيقات المالية المُستخدَمة للتعامل مع هذه العُملة والاستثمار فيها قد تكون هي المشكلة؛ إذ لا تُوجَد تأمينات على عُملات البيتكوين والمحافظ الرقمية الخاصَّة بالمُستَخدِم من قِبَل الجِهات أو المُؤسَّسات الرسمية؛ ممّا يعني أنّ خَطَر الاحتيال وسرقة العملات ما يزال قائماً ويُهدِّد المُستَثمِرين.

ومن الجدير بالذكر أنّ "هيئة الأوراق المالية والسِّلع" في دولة الإمارات العربية المُتحدة تُؤكِّد ضرورة الحرص الدائم، والحذر من الاستثمارات القائمة على العُملات المُشفَّرة، والتي قد تُعرِّض المالك للاحتيال أو السرقة؛ لأنّ هذه الاستثمارات قد تكون مُضلِّلة، وتعمل تحت إشراف جِهات غير معروفة؛ ممّا يعني أنّها غير قابلة للاسترداد أو التتبُّع عند السرقة.

ويُشار إلى أنّ الهيئة شَكَّلت فريقاً يُسهِّل على الراغبين في هذا النوع من الاستثمار تطبيق مُبادَرات التكنولوجيا المالية، ومتابعة مُستجدّاتها بأمان.

تعدين البيتكوين والمخاطر البيئية

تهدف عملية تعدين عملة البيتكوين (Bitcoin Mining) إلى صُنع عملات بيتكوين جديدة باستخدام أجهزة ذات تقنيات عالية، إلّا أنّ هذه العملية تعتمد على استهلاك قدر كبير من الوقود الأحفوري؛ لتوليد الكهرباء اللازمة لعمل هذه الأجهزة؛ ممّا يُؤثّر سلباً في البيئة، ويؤدّي إلى زيادة التلوُّث الناتج عن الكربون.

وبحسب دراسة نشرتها جامعة الأمم المتحدة (UNU)، والمجلة العلمية (Earth's Future) المُتخصِّصة في العلوم البيئية، حول شبكة تعدين البيتكوين في نحو 75 دولة حول العالم، خلال الفترة 2020-2021، أكَّدت فيها استهلاك كمٍّ هائل من الطاقة الكهربائية خلال عمليات التعدين في تلك الفترة، والتي تُعادل استهلاك دولة يُقدَّر عدد سُكّانها بـ 230 مليون نسمة تقريباً، وانبعاث نحو 85 مليون طُنّ من ثاني أكسيد الكربون؛ ممّا قد يُسبِّب مشكلة بيئية خطيرة إن لم يتوفَّر البديل أو الحلول المناسبة.

وختاماً، بالنظر إلى أنّ مُستقبل العملات الرقمية المُشفَّرة لا يُمكن التنبُّؤ به بصورة قاطعة؛ إذ لا يُمكن إنشاء صورة واضحة وإجابة دقيقة تماماً عن عملات البيتكوين؛ فبعض المُحلِّلين يرَون أنّ سِعر البيتكوين سيستمِرّ في الارتفاع، وأنّ هذه العُملة سيكون لها مستقبل مشرق، وستظلّ تحظى بدعم جَيِّد من المُستَثمِرين المُجازِفين في عالَم التداول والاستثمار الرقمي.

بينما يرى آخرون في الوقت ذاته أنَّها تُشبه الفقاعة التي شغلت حَيِّزاً وحَظِيت بترويج ضخم، لكنَّها قد تختفي تماماً مع مرور الوقت إن لم تتوفَّر حلولٌ مناسبة لمشكلات الاحتيال، وإن لم تتوفَّر آليّات فَعّالة لتتبُّعها من قِبَل الحكومات، والحقيقة أنّ البيتكوين تقنية جديدة ومُبتكَرة، وتأثيرها في النظام المالي العالمي ما يزال غير واضح، والاحتمالات المُتعلِّقة بها جميعها واردة.

المراجع   
[1] cs.stanford.edu, Bitcoin - Advantages
[2] techopedia.com, Bitcoin Price Prediction 2024, 2025, 2030
[3] investopedia.com, What Will Happen to Bitcoin in the Next Decade?
[4] kbs.edu.au, Will Bitcoin replace money in the future?
[5] ai.gov.ae, دليل التعاملات الرقمية