جار التحميل...
وللعمل في الشريعة الإسلامية مكانة عالية ومنزلة رفيعة؛ فهو عبادة يُتقرَّب بها إلى الله عزّ وجل، وقد حثّ الإسلام عليها، وعلى كسب الرزق الحلال، والسعي في الأرض وإعمارها، ومن ناحيةٍ أخرى حَذّر من البطالة، والكسل، والاتكال على الآخرين للحصول على المال.
العمل بالنسبة للفرد ليس مجرد وسيلة لكسب الرزق، بل هو بوابة للعديد من الفوائد التي تتيح له اكتشاف قدراته وإمكانياته، وتساهم في تحسين حياته على مختلف الأصعدة، وتعزز الشعور بالرضا عن نفسه:
يُعد العمل المصدر الأساسي لتحصيل المال الذي يُعدّ بدوره وقود الحياة والمحرّك الرئيس لمعظم الأنشطة فيها؛ فامتلاك مصدر دخلٍ جيّد يمنح الفرد الحريّة الشخصية في الإنفاق وتحقيق الأهداف والأحلام المختلفة التي تعتمد على المال، مثل: إكمال الدراسات العُليا، أو إنشاء مشروعٍ خاص، أو حتى السفر حول العالم، كما يمنحه الشعور بالاستقرار والأمان في الحياة، والقدرة على التعامل مع الصعاب والتحديات التي تتطلب امتلاك مبلغٍ من المال؛ كالحاجة إلى علاجٍ معين، أو نحو ذلك.
لا يوجد تطوّر ونمو دون جهد، والجهد يعني العمل، وبالمسؤوليات والمهام المختلفة التي تقع على عاتق الفرد في العمل تتحسّن لديه الكثير من المهارات والقدرات المهمة؛ سواء للعمل نفسه، أو للحياة عموماً، بما في ذلك الانتباه، والتركيز، وتحمّل المسؤولية، وكيفية ضبط النفس، وحلّ المشكلات.
وقد أشارت دراسة نُشِرت في موقع (PsychologyToday.com) المُتخصص في علم النفس والصحة النفسية عام 2021م، أنّ العمل الذي يتطلب من الموظف التعامل مع مجموعةٍ كبيرة من البيانات، والمهام، والأشخاص، ويسمح له باتخاذ قراراتٍ بشأنها، يزيد من قدرته على التأثير في الأحداث من حوله في الحياة، والاستباقية في تغييرها بشكلٍ فعّال.
يساعد النجاح في إنجاز المهام والأهداف المطلوبة في العمل في تعزيز الثقة بالنفس وإمكانياتها، والقدرة على تحقيق التميز، كما يحمل العمل بطبيعته بعض التحديات والمشاكل التي تزيد القدرة على مواجهة الصعاب عند التعامل معها بشكلٍ صحيح، مما يُقوي الشخصية؛ فعلى سبيل المثال، قد يكون من الصعب مواجهة التحديات في إدارة مشروعٍ كبير وصعب في العمل، إلّا أنّ البحث عن أفضل الطُرق لإنجازه والنجاح في المهمة من شأنه أن ينمي بلا شك الثقة بالنفس، ويمنح الشعور بالفخر والقوة.
يتطلب العمل عموماً التفاعل مع الآخرين، بما في ذلك التواصل مع العملاء لتقديم الخدمات اللازمة لهم، أو التعاون مع الزملاء لإنجاز المهام المطلوبة، وتبادل الخبرات والمعارف، أو حتى المشاركة في الأنشطة والفعاليات المختلفة التي تُقيمها مؤسسة العمل، ومع مرور الوقت، ينعكس ذلك إيجاباً على قدرة الفرد ومهاراته في التعامل والتواصل مع الآخرين، الأمر الذي يؤدي إلى تحسين العلاقات الاجتماعية وتقويتها بشكلٍ عامّ.
يعد العمل من أهم الوسائل لبناء المجتمعات وتقدمها، فهو بمثابة المحرك الذي يدفع بعجلة المجتمع نحو الازدهار والتقدم، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية له، وبالتالي بناء مستقبلٍ أفضل لأفراده.
يُمكن للأفراد الذين يعملون ويحصلون على المال الإنفاق منه لشراء السلع والخدمات التي يحتاجون إليها، وكلما زاد الطلب على تلك السلع والخدمات، زادت حاجة الشركات إلى المزيد من الموظفين، والتوسّع في الإنتاج، وبالتالي دعم النمو الاقتصادي للمجتمعات بشكلٍ عامّ.
لا شك في أنّ تحقيق الابتكار والتقدّم في المجتمع يتطلب العمل والاجتهاد أكثر في مختلف المجالات، بما في ذلك العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والبناء؛ سواء بالبحث والتطوير والعمل على إيجاد حلولٍ مبتكرة لمواجهة التحديات المختلفة التي يواجهها المجتمع، أو البدء بأعمالٍ ريادية إبداعية من شأنها تلبية احتياجات الأفراد، وزيادة المنافسة، ودعم الاقتصاد عموماً.
يُتيح توفر فرص عمل مختلفة ومتنوعة للأفراد في المجتمع إمكانية الحصول على دخلٍ جيّد يُلبّي احتياجاتهم الأساسية في الحياة؛ من غذاءٍ، ومسكن، وتعليم، ورعاية صحية، كما يمنحهم القدرة على إعالة أنفسهم وأُسرهم، وعيش حياة أكثر رفاهية واستقراراً، وبالتالي خلق مجتمعات تتمتع بمستوى معيشي عالٍ وكريم.
لا شك في أنّ توفر فرص العمل في مجتمعٍ ما يحمي أفراده من مواجهة العديد من المشاكل الاجتماعية وآثارها السلبية، ومن ذلك البطالة التي قد يترتب عليها شعور الفرد بتدني احترام الذات، وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية، والأمر لا ينتهي هنا؛ إذ تشهد المجتمعات ذات معدلات البطالة المرتفعة ارتفاعاً في معدلات الجريمة والاضطرابات الاجتماعية المختلفة، ممّا يعني أنّ العمل بات من العناصر المهمة التي تحافظ على أمان المجتمعات واستقرارها.
ختاماً، لتحقيق فوائد العمل وآثاره الإيجابية على مستوى الفرد أو المجتمع بكافة أطيافه ومؤسساته، لا بدّ من ممارسته بحُبٍّ وشغف، دون اعتباره عبئاً أو مهمة يجب إنهاؤها فقط، وقد أشار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إلى ذلك بقوله: "لا تُمارس عملك كموظف، بل مارسه كقائدٍ يُحبّ وطنه، وكصانعٍ يعشق صنعته، وكفنانٍ يبدع في فنه".
المراجع
[1] becomingminimalist.com, Why Work
[2] indeed.com, Frequently Asked Question: Why Is Having a Job So Important?
[3] psychologytoday.com, How Your Job Changes Your Personality
[4] fastercapital.com, Importance of Job Creation
[5] mohre.gov.ae, التعريفات | وزارة الموارد البشرية والتوطين - دولة الإمارات