قبل 18 عاماً صمتت الإمارات صمتة واحدة قالوا: مات من وَحَدها وِحدة واحدة، وعم السكون وتبعثرت المشاعر والكل مصدوم وإحساس اليُتم انتشر في كل بيت وتوقف نبض الحياة، وأصبحت قلوبنا قبوراً، فالكل فيه روح من زايد بن سلطان آل نهيان.
أنا لن أذكر أفعاله لأنها أكبر من أن تكتب بكلمات، فابتسامته وحدها مجلد تتشرف بها العبارات.
وأنا سأتحدث عن جيل لم يعاصر والدنا زايد ورغم ذلك يحبه وكأنه رآه.
نعم أتحدث مع ابني عن يوم العَلم ويوم الشهيد واليوم الوطني وإذ به يقاطعني ويسألني دون مقدمات أبي حدثني عن الشيخ زايد لقد مات في مثل هذا الشهر فحدثني عنه.
فقلت له: "إنه وحد الوطن والكلمة وأصبحت دولة الإمارات..."، لكنه قطع كلامي قبل أن أبحر، وقال: "هذا عرفناه في الكتب وحفظناه"، لكن حدثني لماذا نحن نحبه رغم أننا لم نره؟ ولماذا العالم كله يتحدث عنه وكأنه لم يمت؟ ولماذا نفخر دون أن نشعر حينما ينادوننا بعيال زايد؟
فصمت وأكملت حديثي عن عطايا زايد، لكنه مرة أخرى أسكتني وقال: " أريد أن أعرف سر عشقنا لرجل غادر الحياة، لكننا في كل يوم نحبه أكثر".
قلت له:" يا ولدي إنه مؤسس وطننا، إنه رجل من الطراز الرفيع، فهو رجل الإنسانية، ورجل يجمع القلوب قبل الأوطان.
وأكملت نحن يا ولدي كنا نتنفس زايد في كل مكان، ونراه في كل دولة، فهو رجل همه الأول شعبه، ورعيته يحب الصغير والكبير، ورجل البناء، حيث نراه كل يوم في أغلفة دفاتر المدرسة، ونراه كل يوم في الفسحة، وفي وجبة الإفطار التي كانت مجانية، وحتى أسعارها لا تذكر.
وهو كذلك رجل نراه بقطع الملابس التي توزع على الطلبة كهدايا فيها بصمة رجل الدعم اللامحدود.
إنه رجل النهضة والارتقاء، ورجل البشر قبل الحجر، ورجل حديثه وكلماته نبراس ومنهج في منهج الريادة والتمكين، ورجل جعل الله في وجهه القبول والحكمة.
فكان ينصر الضعيف ويخاف الله بشعبه، إنه رجل أفرج عن كل المدينين من السجون، وسدد مديوناتهم دون أن يطلبوا، ورجل جعل للمرأة كياناً وللحدود وجداناً وللحجر أوطاناً، وخلف رجالاً يكملوا المسيرة بعده من إخوانه حكام الإمارات وأبنائه خليفة "رحمه الله"، واليوم بوخالد رئيس الدولة محمد بن زايد "حفظه الله" فكل الأبناء الكرام امتداد لزايد، الذي حبه يزداد في قلوبنا كل يوم.
وأكملت حديثي حتى رأيت الدمعة تنزل من عين ابني، وهو يقول: "رحمه الله بابا زايد".
نعم دمعة ولدي حديثة ذرفها على رجل لم يعاصره، هكذا هو التأسيس أثره يمتد جيلاً بعد جيل.
هكذا وطن الأوطان وطني، وعشقك يا زايد يتزايد، لقد رحل عنا جسداً لكنه في قلوبنا للأبد.