حين كانت عجلات الطائرة تلامس أرضية مدرج مطار تونس قرطاج الدولي مع تباشير يوم الثاني من ديسمبر لعام 2015، كنت أرسل النظر من نافذة فيها إلى أفق ممتد في السماء، وخلال ثوانٍ معدودات تواردت إلى خاطري أسئلة كثيرة عن هذه الرحلة العجيبة التي أوصلتني إلى هنا، ومن هنا ستأخذني سيارة إلى هناك، وسنقطع مسافة 160 كيلومتراً إلى مدينة تقع في وسط تونس هي مدينة القيروان.
كنت ضمن فريق إعلامي مرافق لوفد يمثل دائرة الثقافة في حكومة الشارقة، جاء ليفتتح في المدينة بيتاً للشعر العربي وعلى رأسه سعادة عبدالله محمد العويس رئيس الدائرة، ولكن لماذا القيروان؟ وما الذي يجعل الشارقة ترسل وفدها إلى هنا لتؤسس وتفتتح بيتاً للشعر يكون ملتقى وملاذاً يلجأ إليه الشعراء ويسهم في تحريك الساحة الشعرية والأدبية في القيروان وتونس عامة؟
إنّه بلا شك الفكر السديد والنهج الصائب القويم والإيمان الأكيد الراسخ لدى صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة بأهمية الشعر ودوره في تقدم مجتمعاتنا العربية، وفي التطور والرقي، ومن أن الثقافة هي طوق النجاة من كل ما يحيق بالأمة من تحديات ومشكلات وعواصف.
لذلك فالشعر هو المجداف الذي نقاوم به رياح الصعاب كي يصل قارب الثقافة إلى بر الأمان، لذا فقد جاءت المبادرة ورصدت وما زالت ترصد لها الإمكانات والدعم المادي والمعنوي السخي لتعيد للشعر العربي بريقه وألقه وللشعراء اعتبارهم وتضعهم في المكانة التي يستحقونها.
والحقُّ أن بيت الشعر في القيروان الذي افتتح في 4 ديسمبر 2015 كان رابع بيت يُفتتح بعد بيوت الشعر في كل من المفرق بالأردن، ونواكشوط في موريتانيا، والأقصر في مصر ضمن مبادرة كريمة وفريدة من صاحب السمو حاكم الشارقة أطلقها سموه خلال لقائه بالشعراء والأدباء المشاركين في الدورة الثالثة عشرة من مهرجان الشارقة للشعر العربي في يناير عام 2015 لتأسيس بيوت للشعر على غرار بيت الشعر في الشارقة في كل مدينة وقرية عربية لتكون ملتقيات للشعراء كبارهم وشبابهم وتحافظ على استمراريتهم.
ولتقدم لهم مختلف أشكال الدعم وتشجعهم على مزيد من العطاء، والأهم إعادة الاعتبار لهم وللشعر ولتكون منابر ومراكز إشعاع للشعر والأدب والإبداع.
وبعد القيروان افتتحت بيوت للشعر في مدينتي تطوان ومراكش بالمغرب والخرطوم في السودان، ومازالت جهود الشارقة في هذا الإطار تتواصل لإنشاء وتأسيس بيوت للشعر في أقطار أخرى من وطننا العربي الكبير، وبالتنسيق والاتفاق مع الجهات الرسمية والمسؤولة في تلك البلدان والمدن.
ليس هنا مجال للوقوف أمام ما تحقق خلال السنوات الخمس الماضية من إنجازات مذهلة تدعو إلى الفخر، ولعلنا نرجئ ذلك إلى فسحة زمنية أخرى نرصد فيها وبالأرقام إنجازات بيوت الشعر جميعها.
ما أريد أن ألفت إليه هو أن المكان الذي تأسس فيه بيت الشعر في القيروان تم اختياره بعناية فائقة، فهو يقع في منطقة تاريخية وتراثية قديمة تجاور جامع عقبة بن نافع، أو جامع القيروان الكبير الذي بني في العام الخمسين من الهجرة النبوية الشريفة، في محيط سوق المدينة العتيقة، والتي تضم أيضاً عدداً من المرافق الثقافية من مسارح وصالات ومراكز فنية أخرى، ليقوم بينها بيت الشعر كدُرَّة باهرة مشعة ويكمل سلسلة المباني الثقافية المقامة.
أما البيت في حد ذاته فهو تحفة ساحرة من الداخل يشعر مَن يدخله وهو يجيل طرفه بين جدرانه وسقوفه المزخرفة الملونة وكأنه يعيش أجواء تلك العصور الذهبية للثقافة العربية في الأندلس.
سلام عليك أيتها الشارقة المشرقة بأنوار الآداب والفنون، أياديكِ البيضاء على الثقافة والإبداع تمتد إلى كل مكان، تزرع المحبة والبسمة والجمال وتختصر الزمان، بعقل وقلب وضمير سلطان.