منذ تأسيس معرض الشارقة الدولي للكتاب عام 1982 على يد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بدأت الإمارة رحلة استثنائية نحو بناء مجتمع قارئ، يؤمن بأن الكتاب ليس مجرد سلعة ثقافية، بل مشروع حضاري لبناء الإنسان وصناعة المستقبل. لقد جاء المعرض بوصفه ترجمة لرؤية طموحة: أن تكون المعرفة حقًا للجميع، وأن تصبح القراءة جزءًا أصيلًا من أسلوب الحياة.
وعلى مدار أكثر من 4 عقود، استطاع المعرض أن يتحول من فعالية محلية إلى منصة عالمية كبرى للحوار الثقافي والتبادل الفكري، واليوم يحتل المعرض مكانة متقدمة بين أكبر معارض الكتب في العالم، ويستقطب نخبة من كبار الكتّاب والمفكرين والناشرين، ليجعل من الشارقة نقطة التقاء للثقافات والحضارات، ومركزًا فاعلًا لصناعة النشر عربيًا وعالميًا.
ففي الفترة من 5 إلى 16 نوفمبر 2025، تعود الشارقة لتفتح أبوابها أمام العالم، وفي داخل صالات المعرض، يعيش الزوار تجربة تتجاوز شراء الكتب أو حضور محاضرات؛ إنهم يدخلون مدينة من الأفكار، تتجاور فيها اللغات وتتحاور فيها العقول، وتمتد المساحات لتضم جلسات فكرية، وورشًا تفاعلية، ومنصات توقيع تجمع القرّاء بمؤلفيهم المفضلين، إلى جانب فعاليات موجهة للأطفال والشباب، تجعل القراءة رحلة ممتعة تُغرس في نفوس الأجيال منذ سنواتها الأولى.
ولا تكتفي الشارقة بالاحتفاء بالماضي الثقافي، بل تتجه بثقة نحو المستقبل، ففي نسخة 2025، يواصل المعرض دمج التكنولوجيا بالإبداع، عبر جلسات تناقش تأثير الذكاء الاصطناعي في صناعة المعرفة، والتحولات الرقمية التي تعيد تشكيل العلاقة بين القارئ والكتاب. إنها تجربة تثبت أن الكتاب الورقي لا يعادي التطور، بل يسير معه جنبًا إلى جنب.
وتبرهن أرقام المعرض على حجم الحضور العالمي والثقة الدولية بالمشهد الثقافي في الشارقة. فقد سجل المعرض في دوراته الأخيرة أكثر من 1,500 فعالية متنوعة، وضَمَّ أكثر من1.3 مليون عنوان من حول العالم، بمشاركة ما يزيد عن 2200 ناشر من 112 دولة، إلى جانب استقطاب أكثر من2.17 مليون زائر، و هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل شهادة على نجاح رؤية راسخة تدرك قيمة المعرفة في تشكيل وعي الشعوب وصياغة مستقبل الأمم.
إن معرض الشارقة الدولي للكتاب ليس حدثًا عابرًا، بل مشروعًا مستمرًا، وامتدادًا لفلسفة ثقافية تؤمن بأن الكتاب يغيّر الفرد، والفرد يغيّر المجتمع، والمجتمع يصنع التاريخ.
وفي كل دورة من دوراته، تبرهن الشارقة أن الاستثمار الحقيقي ليس في البنية التحتية فقط، بل في بناء الإنسان وإلهامه وتوسيع مداركه، ففي نوفمبر 2025، لم تستعد الشارقة لاستقبال الزوار فحسب، بل تستقبل العالم بأكمله.
وهنا في معرض الشارقة لا يأتي الناس بحثًا عن كتاب فقط، بل عن فكرة، أو إلهام، أو لحظة تجعلهم يرون العالم بعين مختلفة، فالمعرض ليس مكانًا، بل تجربة، وليس حدثًا، بل رحلة معرفية تؤمن بأن الكلمة هي البداية دائمًا.
وفي الشارقة، يجتمع القارئ والكاتب والناشر على أرض واحدة، متحدين تحت مظلة رسالة واحدة: الثقافة تبني مستقبلًا… والكتاب هو بوابته الأولى.