جار التحميل...
يُعَدّ عقاب الطفل بالتجاهُل، والمعروف أيضاً بالعقاب الصامت، أسلوباً تربوياً يعتمد على عدم إعطاء الطفل الاهتمام عند ممارسته سلوكاً غير مرغوب فيه، والفكرة من هذا الأسلوب تتمثَّل بتعليم الطفل أنّ السلوك السيّئ لا يجذب الانتباه؛ ممّا يُقلِّل احتمالية تكراره.
ويُشار إلى أنّ الآراء التربوية حول فعالية هذه الوسيلة مُتباينة بين مُؤيِّد ومُعارِض؛ إذ وجد مُؤيِّدوها أنّها قد تنجح عندما يكون الطفل في مرحلة عُمرية يمكنه فيها الربط بين السلوك والتجاهل، وعندما يتعلَّق السلوك بالمحاولات السلبية لجذب الانتباه، مثل: الصُّراخ، أو العِناد، أو البُكاء، إلّا أنّه قد لا يكون فعّالاً في حالات أخرى، مثل: السلوك العدواني، أو الخطير، أو مع الأطفال الذين يُعانون مشكلات في التواصل العاطفي.
وهذا يعني في النهاية أنّ العقاب بالتجاهل قد ينجح عند استخدامه استخداماً صحيحاً، وفي المواقف المناسبة، ولا بُدّ للأهل أن يكونوا حذرين في تطبيقه، وأن يكونوا مُستعِدِّين للبحث عن طرق بديلة إن لم يُحقِّق النتيجة المَرجُوّة، ومن المُهِمّ أيضاً أن يكون التجاهل جزءاً من استراتيجية تربويّة متوازنة تشمل التواصل الإيجابي، وتشجيع السلوك الجيِّد.
وفي المقابل، هناك فئة من المُختَصّين ترى أنّ هذا الأسلوب غير فعّال ولا مُثمِر، وخاصَّة عند اعتماده كوسيلةً دائمة في التربية، وقد يعود على الطفل بعواقب وخيمة، ويؤدّي إلى نتائج سلبية عِدَّة؛ فالطفل بطبيعته يُفضِّل التعاطف معه في الأحوال كافَّة، وخاصَّة الطفل العنيد؛ فهو من أكثر الشخصيات حاجة إلى الاهتمام، ويُفضِّل أن تُفهَم مشاعره، وتجري مناقشته، على أن يجري تجاهله.
في بعض الحالات، قد يُؤدّي التجاهل إلى تفاقُم السلوك السيّئ بدلاً من تقليله؛ فقد يحاول الطفل جذب الانتباه بطرق سلبية أكثر، مثل: الصراخ بصوت أعلى، أو اللُّجوء إلى سلوكات عدوانية؛ كي يستعيد اهتمام الأهل.
والتجاهل يُركِّز على منع السلوك الظاهر دون التعامل مع الأسباب الأساسية والكامنة خلفه؛ فعلى سبيل المثال، إن كان الطفل يمارس سلوكات سيّئة لشعوره بالإحباط أو القلق، فإنّ التجاهل لن يساعده في تجاوز هذه المشاعر.
ففي الوقت الذي يهدف فيه الوالِدان إلى تصحيح سلوكات أطفالهم بتجاهلهم، فإنَّهم قد يُعرِّضونهم لمخاطر نفسية؛ فالحرمان من الاهتمام والحبّ يرسل رسالة إلى الطفل مفادها أنّه غير مُهِمّ ولا مرغوب فيه؛ ممّا يُؤثِّر سلباً في ثقته بنفسه، ويُضعف علاقته بوالِدَيه.
والشعور بالوحدة والاكتئاب الناتج عن التجاهل يؤدّيان إلى الأنانية؛ إذ يتوجَّه تفكير الطفل نحو الشعور بالظلم بدلاً من تصحيح السلوك، ويزيد التجاهل غضبه، وهذا النوع من الإساءة لا يترك جروحاً ظاهرة، لكنَّه يزرع بذور الشكّ والخوف في نفسه، والحقيقة أنّ الطفل بحاجة إلى تبادل مشاعر الحبّ مع والِدَيه، إلّا أنّ التجاهل يُعطِّل هذه المشاعر، وقد يُجبِر الطفل على التغيُّر رغم عدم فهمه الكافي لذلك.
بدلا من التجاهل والمعاملة الصامتة، يمكن للوالِدَين اتِّباع أساليب تربوية حديثة أكثر فاعلية؛ لتوجيه أطفالهم نحو الصواب، ومنها الآتي:
ينبغي التحدُّث إلى الطفل بلغة بسيطة وواضحة عن التوقُّعات المُنتظَرة منه، وتوضيح أهمّية الالتزام؛ تجنُّباً للعقاب؛ كتكليفه بترتيب الألعاب ووضعها في مكانها الصحيح، فإن لم يلتزم بالأمر، فلا بُدّ من إخباره بهدوء وبوضوح عن العواقب التي تترتَّب على ذلك، مع الحزم والنظر في عينَيه؛ لإيصال فكرة الجدِّية في تطبيق التحذير، والأصل هنا هو تعليم الطفل وليس معاقبته.
الثناء هو وقود دافع للطفل؛ فالإشادة بتصرُّفاته الإيجابية تُشعِره بالحبّ والقبول؛ ممّا يزيد ثقته بنفسه، والثناء يُرسِّخ السلوك الجيِّد، ويدفع الطفل إلى تكراره، ولا يقتصر السلوك الجيّد والإيجابي على الأفعال المُميَّزة فحسب، وإنَّما قد يشمل أبسط الأشياء أيضاً؛ كاللعب مع الأشقّاء؛ لأنّها سلوكات تستحِقّ الثناء والتقدير، وهذا الأسلوب قد يُعطي نتائج تربوية فاعلة في ضبط الطفل؛ ممّا يعني عدم الحاجة إلى أساليب أكثر صرامة.
من أهمّ أسباب سلوكات الأطفال غير المرغوب فيها البحث عن اهتمام الوالِدَين؛ لذا، يُعَدّ تخصيص وقت يوميّاً للَّعِب والتفاعل مع الطفل استثماراً ناجحاً في العلاقات الأُسَرية؛ فقضاء وقت قصير مع الطفل، وإظهار الاهتمام الكامل، والتفاعل الإيجابي معه، يُقلِّل لجوءه إلى ممارسة سلوكات سلبية وغير لائقة؛ ممّا يعني عدم الحاجة إلى العقاب.
المراجع
[1] healthychildren.org, What’s the Best Way to Discipline My Child?
[2] ifstudies.org, The Negative Effects of Time-Out on Children
[3] timesofindia.indiatimes.com, Silent treatment from parents: The psychological implications on kids and why it should be avoided
[4] forthealth.com, Active Ignoring: A Transformative Parenting Strategy to Shape Your Child’s Behavior
[5] cdc.gov, Tips for Using Ignoring