جار التحميل...

mosque
partly-cloudy
°C,

ماذا بعد رائحة "اللِجْنِين"

18 نوفمبر 2024 / 11:29 AM
ماذا بعد رائحة "اللِجْنِين"
download-img
بالأمس أُسدل الستار على العرس الثقافي في إمارة الشارقة، وكُنتُ أتساءل عن سر حب الكثيرين للكتاب، فوجدت من بين الأسباب ما شد انتباهي، ولعله أحد الأسباب الطبيعية التي يعشق فيها القارئ الكتاب والمكتبات؛ هي انتشار رائحة "اللِجْنِين" فما هي قصة رائحة اللِجْنِين؟
قبل الحديث عن مصطلحنا الغامض في هذا المقال؛ تذكرت قصة جميلة قرأتها منذ فترة عن سر الرائحة التي تفوح من الكتب في المكتبات، يقول راوي القصة باختصار: "في زقاقٍ صغير داخل حيٍّ قديم، كانت هناك مكتبة عتيقة تحمل اسم "مكتبة العم سعيد"، لم تكن مكتبة عادية، بل كانت تحكي قصة عمرها قرون، كان الهواء داخلها مُشبَّعاً برائحة الكتب القديمة، تلك الرائحة التي تأخذك في رحلة عبر الزمن دون أن تتحرك خطوة، إنها رائحة "اللِجْنِين".

صاحب المكتبة، العم سعيد، رجل مُسنّ ذو نظارات سميكة وابتسامة دافئة، كان يحكي للجميع أن كل كتاب في مكتبته يحمل قصة خاصة به، ليست فقط في محتواه، بل في رحلته حتى وصل إلى رفوف المكتبة، كان يحب أن يقول: "رائحة الكتب ليست مجرد رائحة ورق، بل هي حكايا الأرواح التي لامستها."

ذات يوم، دخلت فتاة صغيرة إلى المكتبة، كانت تحمل دفتراً صغيراً ووجهاً يعكس الفضول، سَأَلتْ العم سعيد بخجل: "هل يمكن أن تساعدني في العثور على كتاب يحكي عن الشجاعة؟"

ابتسم العم سعيد وقال: "الشجاعة ليست فقط في الكتب، بل في قلوب من يبحثون عنها، لكن دعيني أُرِيكِ شيئاً مميزاً."

أخذها إلى ركن في المكتبة حيث وُضِعَت كتبٌ قديمة مكدسة بعناية ورائحة "اللِجْنِين" تفوح بين تلك الرفوف، تناول كتاباً صغيراً بغلاف جلدي مُهترئ، كان يحمل عنوان "رياح المغامرة"، قال لها: "هذا الكتاب له رائحة خاصة، استنشقيه وستعرفين."

فتحت الصغيرة الكتاب بحذر، وشمَّت رائحته، للحظة شعرت كأنها انتقلت إلى غابة مليئة بالأشجار الكثيفة والرياح العاتية، كان هناك فارس شجاع يقاتل وحوشاً مرعبة لإنقاذ قريته.

قرأت الصغيرة الكتاب بلهفة، وكأنها تعيش داخل صفحاته، وعند انتهائها، نظرت إلى العم سعيد بعينين لامعتين وقالت: "لم أقرأ فقط عن الشجاعة، بل شَعرتُ بها"، ضحك العم سعيد وقال: "الكتب ليست مجرد كلمات، إنها بوابات لعوالم لم تَرَيْها بعد، ورائحتها هي المفتاح الذي يفتح هذه البوابات."

وهكذا، أصبحت الكتب والمكتبة ملاذاً لها ولكل من يوَدُ أن يستنشق عبير الحكايات ويكتشف عوالم جديدة خلف رائحة الكتب.

فالإنسان جُبِل على حب الروائح الزكية، ولكل شي رائحته المميزة، وكثيرة هي القصص والمواقف التي تميز شخصاً عن شخص آخر من رائحته الزكية، ولكن هل سمعتم عن رائحة الكتب؟

اعلم عزيزي القارئ، أن في كل ورقة من صفحات الكتاب الذي تحمله بين يديك تَكمُن قصة لا تُروى فقط بالكلمات، بل بمكونات الورق ذاته، أحد هذه المكونات الأساسية هو "اللِجْنِين"، تلك المادة الغامضة التي تربط بين عالم الأشجار وصناعة الكتب، وبين الصلابة والهشاشة، وبين الطبيعة والمعرفة.

"اللِجْنِين" ذلك العمود الفقري للشجرة وهو مركبٌ عضويٌّ طبيعِيٌّ يوجد في جدران الخلايا النباتية، يعمل كعُنصرِ دعمٍ للألياف الخشبية، ما يجعل الأشجار قادرة على الوقوف شامخة في وجه الرياح العاتية والمطر.

ومن تلك الغابات إلى دور النشر والمطابع، فحين تُقطع الأشجار وتُحوَّل إلى ورق، يبدأ اللِجنين بدور مختلف ومهمة أخرى، ففي عملية صناعة الورق التقليدية، يُفصَلُ "اللِجْنِين" عن السليلوز، لأن بقاءه في الورق يمكن أن يؤدي إلى اصفراره وتدهوره بمرور الوقت تحت تأثير الضوء والرطوبة، وهذا ما يُفسِر لماذا تتحول الصحف القديمة إلى اللون البني مع مرور الزمن.

وبفضل "اللِجْنِين"، يمكننا أن ننظر إلى الكتاب كنتاجٍ مزدوج للطبيعة والعقل البشري، فالورق هو امتداد لجذور الأشجار التي تشكلت عبر الزمن، والكلمات التي نكتبها عليه هي امتداد لتاريخ الإنسانية وأفكارها، ويمكننا القول إن "اللِجْنِين"، رغم بساطته الكيميائية؛ هو رمز للربط بين الجذور (الأصل) والأفق (المعرفة).

وفي كل مرة تفتح كتاباً، تتذكر أن بين صفحات هذا الكتاب تكمن قصة شجرة وقصة كاتب، وبين ألياف الورق وأحباره، يعيش "اللِجنين" شاهداً على رحلة المعرفة التي لا تنتهي.

وخلاصة الكلام ما قاله راعي العلم والثقافة سلطان القاسمي عن حب الكتاب، يقول سموه: "الكتاب هو الصديق الذي لا يخون، ولا يُمَلُّ، ولا يغيب، إنه رفيق العمر، وكنز الحياة".

November 18, 2024 / 11:29 AM

أخبار ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.