جار التحميل...
بالتالي لا بد من تشجيع أفراد هذه الفئة من المجتمع، ومنحهم الفرصة لإظهار قدراتهم، وتركهم يُمارسون هواياتهم، ويُحققون أحلامهم، من أبرز ما يُتيح لهم ذلك الألعاب البارالمبية، فما هي؟ ولماذا تُعدّ أكثر من مجرد رياضة؟
تُعرَّف الألعاب البارالمبية (Paralympic Game) على أنّها مسابقة عالمية كبيرة، توازي الألعاب الأولمبية من حيث الشهرة والحضور الجماهيري الحافل، وتتضمن سلسلة من الرياضات والألعاب المتنوعة، لكنّها تختلف من حيث فئة اللاعبين المشاركين، إذ إنّها مُخصصة للرياضيين الذين يُعانون من إعاقاتٍ محددة، وتتضمن دورتين صيفية وشتوية.
تظهر في الألعاب البارالمبية الروح التنافسية العالية، والإرادة الصلبة التي تُحطم كل القيود للمشاركين من مختلف أنحاء العالم، والذين يتنافسون تحت إشراف وتحكيم اللجنة البارالمبية الدوليّة (IPC)، في ألعاب مشتركة تجمعهم، بينما يُعانون من الظروف ذاتها، مع إضافة بعض المعدَّات المُعدَّلة والمُصمَّمة خصيصاً لمساعدتهم على اللعب والحركة.
يُصنَّف البارالمبيون بحسب نوع الإعاقة إلى عِدة فئات، بمن في ذلك مرضى الشلل الدماغي، وضعاف البصر، ومبتورو الأطراف، والذين تعرضوا لإصابات في الحبل الشوكي، بالإضافة إلى ذوي الإعاقة الذهنية، وفئات أخرى غير محكومة بنوعٍ محدد، مثل قصر القامة، وغيرها، كما تُقسَّم كل فئة إلى عدة فئاتٍ حسب شدة الإعاقة ودرجتها.
تشمل الدورة الشتوية رياضات مثل التزلج على الثلج، والبياتلون التي تجمع رياضتَي التزلج والرماية معاً، أما الدورة الصيفية فتضم رياضات مثل السباحة، والرماية، ورفع الأثقال، وركوب الدراجات، وكرة التنس، وكرة السلة، وكرة القدم، وغيرها.
ومن جهةٍ أخرى فقد أُضيفت العديد من الرياضات إلى الألعاب البارالمبية الصيفية لعام 2024 المُقامة في باريس، والتي تُعد بدورها الأضخم والأكثر تنوعاً؛ حيث شملت 22 رياضة مختلفة، وشارك فيها مجموعة كبيرة من البارالمبيين، أكثر من 4,000 رياضيّ.
تتمتع الألعاب البارالمبية بطابعٍ روحي مميز؛ باعتبارها رياضة لا تهدف للمتعة والفوز فقط، بل تُمثل دعوة إنسانية للمساواة، واكتشاف المواهب المدفونة لذوي الإعاقة، وتغيير حياتهم وحياة الكثيرين ممن ينتظرون الفرصة والدافع للسعي والتغيير، والاندماج مع المُجتمع دون أن يُنظَر لهم بعين الرأفة والشفقة، أو أنهم مُختلفون وينقصهم شيء، وتوجد العديد من السمات الحسنة التي جعلت الألعاب البارالمبية تتعدى كونها مجرد رياضة عاديّة، ومنها الآتي:
يُمثل اللاعبون البارالمبيون مصدراً حقيقياً للإلهام والشجاعة، فعند رؤيتهم يتنافسون بإصرار وعزم، ويقدمون عروضاً ملحمية وبطولية أمام ملايين المشاهدين دون الخوف أو الخجل من إعاقتهم، فهذا يخلق دافعاً لكل من يملك إمكانيات، ولكنه يعجز ويتكاسل عن فعل شيء يرفع من قيمته، ويترك بصمته وأثره الطيب في المجتمع.
كما أن هناك أبطالاً آخرين يعانون الظروف والإعاقات ذاتها، لكنهم يحتاجون فقط للدعم والتشجيع والتحفيز لشحن إرادتهم، وجعلهم يخطون خطواتهم الذهبية، التي ستقودهم إلى سلم النجاح والاستقلالية، بعيداً عن الخوف والأوهام التي تصوِّر لهم الإعاقة كأنها النهاية، فتثنيهم عن التقدم والنجاح.
يستمتع المشاهدون أثناء متابعة المباريات البارالمبية؛ لما تحمله من مشاعر مُختلطة ومتضاربة بين الحماس والإثارة، والتعاطف مع اللاعبين الذين يتحدون المستحيل على الملأ، فيشعر المشاهد بالدهشة والرغبة في فوز جميع الرياضيين المشاركين تارة، وينفرد بتشجيع اللاعب الذي يتفانى، ويظهر عزيمة وقدرات هائلة ورغبة عارمة في الفوز تارةً أخرى.
لا يقتصر تأثير الألعاب البارالمبية على الإثارة والحماس وتشجيع اللاعبين، بل هي سبب حقيقي لتغيير نظرة المجتمع لهم، باعتبارهم فئة ضعيفة، وتعاني من العجز، فلا بد من الوعي وضرورة احترامهم، وتقدير محاولاتهم، وعملهم الجاد، بالإضافة إلى تقديم الدعم لهم، وبذل المزيد من الجهود في سبيل تمكينهم، ومعاملتهم بشكلٍ أكثر عدلاً وإنصافاً.
تُعد الألعاب البارالمبية بمثابة منارة لامعة، تُسلّط الضوء على حاجة الأشخاص ذوي الإعاقة، لتوفير الظروف والخدمات المحلية الملائمة التي تتناسب مع حاجاتهم ومشاكلهم، ومن الأمثلة على ذلك البُنى التحتية، مثل الأدراج، والسلالم التي استبدلتها دول عدّة بالمصاعد، وأنظمة التنقل الخاصة بذوي الإعاقات، خاصةً الدول المستضيفة للألعاب البارالمبية.
لا يُقدِّر الكثير من الأشخاص النعم التي يتمتعون بها، على خلاف البارالمبيين الشجعان، الذين يتحلّون بالمهارات العالية والقدرات الهائلة التي نمّاها التدريب المتواصل، والعمل الدؤوب، والمنافسة العالمية في أصعب الظروف، بالتالي يجب الاقتداء بهم، والشعور بالامتنان، والشكر، وإدراك قيمة الصحة، واستخدامها لخدمة ونفع المجتمع.
بالإضافة إلى العديد من الدروس والقيم الإنسانية والاجتماعية، التي يجب تبنيها وتطبيقها، عند مشاهدة اللاعبين البارالمبيين يبذلون كل ما لديهم من جهد للفوز، وأبرزها الثقة بالنفس، واحترام الذات في جميع الحالات، والمثابرة لتحقيق الهدف، واحترام الآخرين، والتسامح معهم، وتقبّلهم في جميع الظروف، وضرورة العدل والمساواة بين الناس.
تُعد دولة الإمارات من الدول المبادرة والسبّاقة في مجال دمج ذوي الإعاقة في مختلف القطاعات، بما فيها الرياضة، تأكيداً على توجيهات القيادة الإماراتية السامية، الداعية إلى الاعتناء بهذه الفئات، وتعزيز دورها ومكانتها وإشراكها في العديد من البطولات والمسابقات، وتتويج انتصاراتها وإنجازاتها، باعتبارها إنجازات وطنية ترفع مكانة البلاد وتسمو بها.
حيث أُنشِئت "اللجنة البارالمبية الوطنية الإماراتية" بمرسوم اتحادي سامٍ، أُوكِلت إليها من خلاله مهمات تطوير رياضات ذوي الإعاقة والعناية بهم، وضمان مشاركتهم في البطولات المحلية والعالمية، والاحتفاء بجهودهم وإبرازها، ودمجهم مع باقي شرائح المجتمع من خلال الرياضة، وتمكينهم من ممارستها بحريّة دون تقييدهم بحدود سببها تلك الإعاقات.
كما يُسلط صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة "حفظه الله" الضوء على أصحاب الهمم، ويؤكد دورهم الفعّال في رقيّ الوطن، ويقول سموه: "إننا نؤمن بقدرات أبنائنا من ذوي الإعاقة، وإمكانياتهم العالية؛ وسنعمل معاً على دعمهم، وفتح المجالات أمامهم لإتاحة الفرصة لهم؛ من أجل الإسهام في رقيِّ وطننا الغالي، وتأمين مستقبل آمن لهم".
المراجع
[1] britannica.com, Paralympic Games
[2] share.america.gov, The Paralympics through the decades
[3] forbes.com, 3 Things Audiences Can Learn From The Paralympic Games
[4] paralympic.org, Paralympic Games
[5] uaelegislation.gov.ae, قانون اتحادي بشأن الرياضة