جار التحميل...

°C,

مستودع المعرفة

03 سبتمبر 2024 / 9:56 AM
تعد المكتبات من أهم المعالم التي تدل على مستوى التقدم الحضاري والثقافي لدى شعوب العالم، فهي كنز المعلومات الذي يحفظ تراث الأمة وتاريخها، وما قدمه علماؤها للحضارة الإنسانية، وتضم المكتبات بين رفوفها كميات ضخمة من المعلومات التي بإمكان أي شخص الاطلاع عليها.
عندما نتعمق في تاريخ المكتبات القديمة، نجد أنها كانت تمثل قلب المجتمع الفكري والعلمي. 

هذه المكتبات، سواء كانت في الإسكندرية أو بغداد أو أثينا، لم تكن مجرد أماكن لحفظ الكتب، بل كانت مراكز حيوية لنشر المعرفة والثقافة. 

كانت المكتبات القديمة، تجذب العلماء والمفكرين من مختلف أنحاء العالم للتعلم، والتبادل الفكري، وتوثيق وتطوير الأفكار، كما لعبت دوراً كبيراً في جمع وحفظ المخطوطات النادرة والكتب القيمة، مما أسهم في الحفاظ على التراث الإنساني ونقله للأجيال القادمة.

بالإضافة إلى دورها مخزناً للمعرفة، كانت المكتبات القديمة، تمثل مركزاً للحوار والتفاعل الثقافي، فقد كانت توفر بيئة ملهمة للبحث والدراسة، وتسهم في تنمية الفضول الفكري وتشجيع الاكتشافات العلمية. 

في بغداد، على سبيل المثال، كان "بيت الحكمة"، مركزاً للأبحاث والترجمة، حيث تمت ترجمة العديد من الأعمال اليونانية والفارسية والهندية إلى اللغة العربية، مما أسهم في ازدهار العلوم والفلسفة في العصور الوسطى.

وهكذا، كانت المكتبات القديمة تمثل جسراً بين الثقافات والحضارات، وتعزز من التواصل الإنساني عبر الزمان والمكان.

وأود أن أشير هنا إلى مكتبة الأمبروزيانا الإيطالية في مدينة ميلانو، التي تعد إحدى أعرق المكتبات في العالم، حيث تأسست في عام 1609، وتضم محتويات ثرية في مختلف العلوم والمجالات الثقافية، والعلمية، والتاريخية، والفنية، إلى جانب وجود أنفس المخطوطات التي تعود إلى مئات السنين، مع وجود أبرز المفكرين والمثقفين الإيطاليين الذين درسوا في المكتبة وتحتوي الآن على أعمالهم.

وإن تحدثنا قليلاً عن المخطوطات، نجد أنها من أهم المصادر التي نتعرف من خلالها على ذاكرتنا الحضارية والتاريخية والثقافية، فهي سجل الأمم ومرآة أفكارها وعلومها، حيث لا غنى للباحث عنها في دراسة أي جانب من جوانب الحياة العلمية والأدبية والثقافية لبلد ما.

المكتبات القديمة كانت بمثابة مراكز حيوية لنشر المعرفة وتوثيقها، حيث لعبت دوراً محورياً في حياة الإنسان من خلال تخزين المعلومات ونقلها عبر الأجيال. 

لقد استُخدمت المخطوطات كوسيلة أساسية لحفظ المعارف، وكانت تُكتب باليد بدقة وعناية فائقة. 

في الغرب، كانت فترة استخدام المخطوطات تسبق ظهور الطباعة، مما جعلها وسيلة ضرورية للحفاظ على العلوم والآداب وتداولها. 

ولم تقتصر المخطوطات على نسخ الأعمال الدينية فقط، بل شملت مجموعة متنوعة من النصوص التي تضمنت علوم الفلك، والأعشاب، والهندسة، والطب، مما يعكس تنوع الاهتمامات الفكرية والعلمية في تلك الحقبة.

وفي ظل غياب تقنيات الطباعة، كانت المخطوطات بمثابة الوسيلة الوحيدة لنشر المعرفة، مما جعل من المكتبات مواقع حيوية للتعلم والتبادل الثقافي، وكانت تُعدّ ملتقى للعلماء والمفكرين من شتى بقاع الأرض. 

هذه المؤسسات لم تكن مجرد مستودعات للكتب، بل كانت مراكز بحثية نشطة تُشجّع على البحث والاكتشاف، وتعزز من التواصل بين الثقافات المختلفة، مما أسهم بشكل كبير في تقدم الحضارات وتطور الفكر الإنساني. 

ونؤكد أن المخطوطات تعدُّ مصدراً قيماً للمعلومات للمؤرخين والباحثين، ويمكنها أن تقدم رؤى حول الماضي الذي كان ليضيع لولا ذلك.

ومما يزيدنا شرفاً في إمارة الشارقة ودولة الإمارات العربية المتحدة، زيارة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، إلى مكتبة الأمبروزيانا الإيطالية، واطلاعه على أبرز المخطوطات التي تضمها المكتبة، وهذا دليل واضح على حرص سموه، وتأكيده على أن المخطوطات ذات فائدة كبيرة للباحثين، باعتبارها المصدر الأصلي للمعلومات. 

ووجد سموه، مجموعة من المخطوطات العربية التي تقتنيها المكتبة، وهي من أفضل المخطوطات في العالم، وأكثرها أهمية بإيطاليا، وتشمل المخطوطات العربية، مواضيع مختلفة، منها التاريخ، واللغة، والطب، والفلك، إلى جانب مخطوطات في الحديث النبوي ومجموعة من الخرائط الجغرافية.

إن الأفكار النيرة والاهتمام الواضح من قبل سموه، تُرجم إلى تدشين المعهد الثقافي العربي في مدينة ميلانو الإيطالية.

وفي الختام، يمكننا القول إن المكتبات ليست مجرد مكان لحفظ الكتب والمخطوطات، بل هي مستودعات للمعرفة وحاضنات للفكر والتقدم الإنساني. 

إن دور المكتبات في الحفاظ على التراث الثقافي والعلمي للأمم، لا يمكن التقليل من أهميته؛ فقد كانت ولا تزال مراكز لتبادل الأفكار وتطوير العلوم، ومكاناً يُنمي فيه الإنسان فضوله الفكري ورغبته في التعلم، وشكلت عبر العصور جسوراً بين الحضارات المختلفة، وحافظت على المعرفة الإنسانية من الضياع، مما أسهم في تقدم المجتمعات ونقل الحكمة والمعرفة عبر الأجيال.

وتستمر اليوم المكتبات في دورها كمراكز إشعاع حضاري، تجمع بين الماضي والحاضر، وتُحافظ على التراث الإنساني بأشكاله المختلفة. 

ويعكس اهتمام ولاة الأمر والقادة والمفكرين، بزيارة المكتبات العريقة، مثل مكتبة الأمبروزيانا الإيطالية، وإحياء الاهتمام بالمخطوطات الثمينة، مدى أهمية المعرفة ودورها في بناء الحضارات، ولعل اهتمام صاحب السمو حاكم الشارقة، بالمخطوطات والمكتبات يعكس رؤية عميقة نحو إعادة إحياء التراث العربي والإسلامي والحفاظ على ثروة علمية ومعرفية لا تقدر بثمن، ليبقى العلم نوراً يضيء طريق المستقبل، ويكون الإرث الثقافي للإنسانية مستمراً وفعّالاً في تطورها.
September 03, 2024 / 9:56 AM

مواضيع ذات صلة

أخبار ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.