جار التحميل...
كما عرَّف صندوق النقد الدوليّ (IMF) العولمة بأنَّها ظاهرة تاريخية؛ بمعنى أنَّها نَتَجت من تطوُّر تاريخيّ طويل ومُستمِرّ؛ نتيجة الابتكار البشريّ، والتطوُّر التكنولوجيّ، وهي تُشير إلى التكامُليَّة الاقتصادية بين الدُّوَل، وزيادة التفاعل والتبادل الاقتصادي بينها، خاصَّةً في حركة السِّلَع والخدمات ورأس المال عبر الحدود، إضافةً إلى إشارة العولمة أحياناً إلى حركة العَمالة والتكنولوجيا بين دُوَل العالم، والأبعاد السياسية والثقافية والبيئية عالَمِيّاً.
أمّا العولمة من وجهة نظر اقتصادية بحتة، فهي ترتبط بتأثيرها في شكل الاقتصادات الوطنية والعالَمِيَّة وطبيعتها؛ من حيث نُمُوّ التجارة، والتفاعُلات الاقتصادية بين الدُّوَل، وتدفُّق رؤوس الأموال، كما وضَّحت لجنة السياسات الإنمائية التابعة للمجلس الاقتصاديّ والاجتماعيّ (ECOSOC).
عند النظر إلى تأثيرات العولمة في التنمية الاقتصادية، فهي غالباً ما تتضمَّن تحسينات وفرصاً إيجابيَّة تُسهم في نُمُوّ الاقتصادات الوطنية، وتعزيز التنمية الاقتصادية العالَمِيَّة؛ فقد فتحت العولمة للدُّول -على سبيل المثال- آفاقاً جديدة؛ للمُشاركة في التجارة والاستثمارات عبر الحدود، ونتيجة لذلك تزايدت النشاطات الاقتصادية، وشهدت مُستَوَيات أعلى من النُّمُوّ.
وتسمح العولمة للشركات بتوسيع نطاق عمليّاتها، والوصول إلى أسواق جديدة، وزيادة الوصول إلى العملاء، ممّا يزيد من فُرَصها في بَيع مُنتَجاتها أو خدماتها، وبالتالي زيادة الإيرادات والأرباح، كما أنَّ العولمة أدَّت إلى زيادة التنافُسيَّة بين الشركات في السوق العالَمِيّ، ممّا حَفَّز الشركات لتحسين عمليّاتها، وابتكار مُنتَجات جديدة، وتحسين الخدمات المُقدَّمة، وهذا ما يُسهم في زيادة الإنتاجية، وبالتالي تحسين الأداء الاقتصادي للشركات، وزيادة الإيرادات والأرباح، إضافة إلى استفادة المُستهلِكِين من نتائج هذه التنافُسِيَّة؛ بتوفُّر مُنتَجات ذات جودة عالية بأسعار أقلّ، وبخيارات عِدَّة.
ولم يقتصر تأثير العولمة الاقتصاديّ على كلِّ ما ذُكِر، بل تجاوزه إلى نقل التكنولوجيا والمعرفة الجديدة بسهولة بين دُوَل العالم؛ للاستفادة من كلِّ ما هو جديد في عصر التكنولوجيا؛ إذ مَكَّن تبادل الخبرات والتقنيات والابتكارات الجديدة بين الدُّول من تطبيقها عمليّاً في البيئة الاقتصادية، بالإضافة إلى مساهمة العولمة بشكل رئيس في فتح الأسواق العالَمِيَّة، وجذب الاستثمارات الأجنبية، الأمر الذي يعود على الدُّول بالنموّ الاقتصادي، وخاصَّةً الدُّول النامِية.
ومن جانب آخر، يجب توضيح أنَّ تأثير العولمة في فتح الأسواق العالَمِيَّة بشكل واسع جدّاً، وجعلها أكثر ترابُطاً، ذو جانب سلبيّ أيضاً؛ فاعتماد الدُّوَل المُتزايِد على الأسواق الخارجية والمُستثمِرِين الأجانب، يجعلها أكثر عرضة للتأثيرات السلبية الناتجة عن الركود والأزمات الاقتصادية العالَمِيَّة.
وعلى الرغم من أنَّ العولمة جلبت العديد من الفوائد المُهِمَّة، إلّا أنَّ الاقتصاد على وجه التحديد لم ينجُ من بعض تأثيراتها السلبية، بما في ذلك فقدان الوظائف والصناعات في بعض الدُّوَل؛ نتيجة نقل الشركات مصانعها إلى الدُّوَل التي تتوفَّر فيها العَمالة الرخيصة؛ بهدف تقليل التكاليف، وزيادة الربح، ممّا أثَّر سلباً في اقتصاد الدُّوَل الأخرى، ويمكن الاستدلال من هذا أيضاً على أنَّ دُوَل العالم، أو حتى المناطق المختلفة داخل الدولة نفسها، لم تَستفِد من العولمة بشكل مُتكافِئ، الأمر الذي أدّى إلى ازدياد التفاوُت في الثروة والدَّخل بينها.
ومن تأثيرات العولمة السلبية غير المباشرة في الاقتصاد تجانُس بعض الجوانب الثقافية بين الدُّوَل؛ أي تشابُهها إلى حدٍّ كبير؛ إذ بدأت بعض القِيَم والعادات الأجنبية تلقى قبولاً وانتشاراً أكبر على حساب الثقافات التقليدية المحلِّية، ومن أوجه هذا التأثير في الاقتصاد تراجُع الطَّلَب على المُنتَجات التقليديَّة أو الحِرَفيَّة المُرتبِطة بالثقافات المحلِّية، وبالتالي انخفاض إنتاجها، إلى جانب تراجُع الإقبال على الوجهات السياحية المحلِّية.
تتأثَّر العولمة بالعديد من العوامل الاقتصادية؛ نتيجة الترابط الوثيق بينها؛ فعلى سبيل المثال، ساعد انخفاض تكاليف نقل السِّلَع والخدمات -نتيجة تطوُّر التقنيات ووسائل النقل والاتِّصالات- على تسريع التبادُل التجاريّ، واندماج الأسواق، كما أنَّ تفضيلات المُستهلِكِين في بعض الأحيان المُنتَجات والخدمات العالَمِيَّة، يُعزِّز التجارة الدوليَّة، ويُسهِم في تعميق الاندماج الاقتصاديّ بين الدُّوَل.
أمّا العامل الآخر ذو التأثير الكبير في العولمة الاقتصادية، فيكمن في سياسات حكومات الدُّوَل المُتعلِّقة بعملية التكامل الاقتصادي "جمع الاقتصادات الدولية معاً"، وكيفية تشكيلها وتوجيهها؛ فعلى سبيل المثال، أدَّى وجود مناطق تجارية حُرَّة بين الدُّوَل إلى تسهيل عملية تبادُل السِّلَع والخدمات بحُرِّية أكبر دون فرض الكثير من القُيود التجاريَّة أو الرُّسوم الجُمرُكِيَّة، بينما تُقيِّد سياسات الدولة التجارية المُقيّدة فُرَص التبادل التجاري، ممّا يُقلِّل من فوائد التكامل الاقتصادي، بما فيها توسيع الفرص الاقتصادية.
وختاماً، يتَّضِح أنَّ التأثيرات الاقتصادية للعولمة لا تُعَدّ بسيطة، وهي مُتبايِنة يصعب حَصرها في نَمَط واحد مُحدَّد؛ فعلى الرغم من أنّ العولمة أسهمت في فتح أسواق جديدة، وتعزيز التجارة والاستثمار، كما نقلت التكنولوجيا والمعرفة عبر الحدود، ممّا ساعد على تعزيز النموّ الاقتصادي، وتحسين الإنتاجية، وخلق فرص عمل جديدة، إلّا أنّها في المقابل سبَّبت تفاوُتاً في الدَّخل، وزيادة التنافُسيَّة؛ لذا بات من المهمّ تحقيق التوازُن بين فُرَص العولمة الاقتصادية وتحدِّياتها؛ من خلال تطوير استراتيجيّات تُركِّز على التنمية الاقتصادية الشاملة والتعاون الدوليّ، وتُعزِّز الابتكار والتقدُّم التكنولوجي، وتستثمر في الأفراد؛ بتعليمهم، وتطوير مهاراتهم، وهذا يُمكن تحقيقه بالتأكيد بالتعاون الفَعّال بين الحكومات، والمُؤسَّسات، والشركات، والمُجتمَع المدنيّ.
[1] youmatter.world, Globalization: Definition, Benefits, Effects, Examples – What is Globalization?
[2] imf.org, Globalization: A Brief Overview
[3] wita.org, Economic Globalization
[4] researchfdi.com, The Effects Of Globalization On Economic Development
[5] piie.com, What Is Globalization?