جار التحميل...

°C,
رحلة الشفاء المبتكرة

أهم الإنجازات التي حققها الذكاء الاصطناعي في الطب

30 يوليو 2024 / 2:04 PM
بعد أن أصبحت الآلات والأجهزة من حولنا تمتلك القدرة على التعلّم من البيانات، واتِّخاذ القرارات بالنيابة عن الإنسان في كثير من الأحيان، وبعد أن أصبحت قادرة على أداء المهام المختلفة بالاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي وخوارزمياته، فُتِحَت آفاقٌ جديدةٌ في مجالات الحياة كلّها تقريباً، بما فيها الطب، والتعليم، والصناعة، وحتى الترفيه، وشهدت تطوُّراً كبيراً وتحوُّلاً أسهم في تحسين الحياة البشرية، ومواجهة التحديات المختلفة.

وفي قطاع الرعاية الصحية، أصبح للتكنولوجيا دورها وأهميتها، إذ أسهمت في تحسين جودة الخدمات الطبية المقدَّمة للمرضى، وشكّل الذكاء الاصطناعي (AI) ثورة تكنولوجية غيّرت الكثير في هذا المجال، ممّا دفع العديد من الدول إلى تبنّيه والاعتماد عليه في خدماتها، ومن بينها دولة الإمارات العربية المتحدة التي تُعَدّ رائدة في الذكاء الاصطناعي؛ إذ يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله: "اليوم ننطلق إلى مرحلة جديدة تعتمد فيه قطاعاتنا وبنيتنا المستقبلية على الذكاء الاصطناعي، والإمارات اليوم أكثر استعداداً للمستقبل، وأكثر تفاؤلاً بأجيالنا القادمة، وبحياة أكثر ذكاء وسهولة".


وضمن الجهود المبذولة لتحقيق هذه الرؤية وتجسيدها في القطاع الصحي، كانت دائرة الصحّة أبوظبي أوّل جهة حكومية تُطوّر سياسة الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية على المستوى الإقليمي عام 2018؛ لتقديم أفضل رعاية صحية للمرضى، ورفع مكانة إمارة أبوظبي على خارطة الريادة في هذا المجال.

تشخيص الأمراض: أصبح ممكناً في دقائق معدودة 

في الوضع الطبيعي، يحتاج الأطباء إلى سنوات من التدريب؛ للحصول على الخبرة الكافية لتشخيص الأمراض، وفي الآونة الأخيرة زاد الطلب على الخبراء في العديد من التخصُّصات الطبية، ولأنّ عدد خبراء التشخيص أقلّ ممّا هو مطلوب، وعملية التشخيص بطبيعتها تحتاج وقتاً وجهوداً مُكثَّفة؛ لكونها مرحلة العلاج الأولى، فقد أصبح المجال مفتوحاً أمام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في هذا المجال.


ومن خلال خوارزميّاتٍ يُطلَق عليها اسم "خوارزميات التعلّم الآلي" في الذكاء الاصطناعي، أصبح بالإمكان تعليم الآلات والبرامج رؤية المعلومات بالطريقة نفسها التي يراها بها الأطباء؛ لتشخيص الحالات الطبية على نحوٍ دقيق، خاصَّة حين يتعلّق التشخيص بالمعلومات والبيانات الرقمية؛ أي تلك المحفوظة والتي يتمّ إدخالها إلى الأجهزة، مثل صور الرنين المغناطيسي للقلب، أو نتائج تخطيط كهربائية القلب؛ فهذه بيانات يمكن للذكاء الاصطناعي قراءتها وتشخيص وجود أمراض في القلب على سبيل المثال، أو احتمالية وجود خطر الوفاة القلبية، علماً بأنّ الآلات والبرامج غير قادرة على رؤية المريض بشكل مباشر، وإنّما رؤية بيانات تتعلّق بصحّته.


ومن الأمثلة الملموسة الأخرى على الأمراض التي تساعد خوارزميات الذكاء الاصطناعي على اكتشافها باستخدام البيانات الرقمية: سرطان الرئة؛ اعتماداً على صور الأشعة المقطعية، وتصنيف الأمراض الجلدية بدقّة؛ من خلال تحليل صورٍ مأخوذةٍ لجلد مريضٍ ما، أو ملاحظة مُؤشّرات اعتلال الشبكية عند مرضى السكّري من صورة العين فقط، وغيرها الكثير.


وفي دولة الإمارات، تصدَّرت مُؤسَّسة الإمارات للخدمات الصحِّية (EHS) في مجال الذكاء الاصطناعي، فتبنَّت العديد من التقنيات التي تُحسّن جودة الخدمات الطبِّية؛ إذ ساعدت خوارزميات الذكاء الاصطناعي المُستخدَمة في دولة الإمارات على الكشف المُبكِّر عن سرطان الثدي، والخرف، وبعض الأمراض الأخرى؛ من خلال تحليل كمّياتٍ هائلةٍ من البيانات.

الجراحة الروبوتية: دقة وإتقان في العمل

كان عمل الروبوتات ضمن فريق الجراحة في المستشفيات ضرباً من الخيال في السابق، إلّا أنّه أصبح حقيقة الآن؛ إذ تعمل الروبوتات على تحليل البيانات قبل العمليات؛ لتوجيه الطبيب الجرَّاح خلال العملية بدقّة، خاصَّة عند شقّ الجرح في جسم المريض والبدء بالعملية، والنتيجة المدهشة هي أنّ دخول الروبوتات إلى هذا القطاع أدّى بالفعل إلى تقليل مدّة الإقامة في المستشفى للمرضى الذين يخضعون لعمليات جراحية بواسطتها؛ نظراً لدقّة جروح العمليات، والتي لا تحتاج إلى مدّة شفاء طويلة مقارنةً بالجراحة التقليدية.


ومن أشهر الأمثلة على روبوتات الذكاء الاصطناعي في الجراحة "الروبوت دافنشي"؛ إذ يساعد الأطباء على إجراء العمليات الجراحية الصعبة بدقّة أكبر وسهولة أكثر مقارنة بالطرق التقليدية، إضافةً إلى مساعِد جَرّاحي القلب "Heartlander"؛ وهو روبوت صغير مهمّته إجراء شقٍّ صغيرٍ في الصدر ليتمكَّن من رسم تخطيط القلب، وعمل الإجراء الجراحيّ اللازم بدقَّة.

صنع الأدوية: أفضل أداء وأقلّ خطراً 

في عملية تصنيع الأدوية الجديدة، يُعَدّ الخطأ مُحتَملاً ووارداً، إلّا أنّ استخدام الذكاء الاصطناعي وفَّر العديد من المزايا في هذا المجال؛ فبفضل خوارزميات الذكاء الاصطناعي أصبح بالإمكان فحص آلاف أو حتى ملايين الأدوية المُقترَح تصنيعها في فترة زمنية قصيرة للغاية، وتحليل تأثيرها وآثارها الجانبية؛ بهدف اختيار أفضل التركيبات الدوائية بأقلّ الآثار الجانبية المُحتمَلة، وعلى الرغم من أهمية تدخُّل الأطباء -خاصّة في عملية ترشيح الأدوية المناسبة-، إلّا أنّ الذكاء الاصطناعي قد أضاف قيمةً كبيرةً إلى هذا المجال.


ووفقاً لتقرير نشرته مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) في عام 2022، فإنّ لدى شركات التكنولوجيا الحيوية التي تستخدم الذكاء الاصطناعي ضمن أعمالها أكثر من 150 نوعاً من الأدوية قيد التصنيع، وأكثر من 15 دواءً تحت التجارب السريريّة، كما منحت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) عام 2023 تصنيف دواء الأمراض النادرة (Orphan Drug Designation) -لأوّل مرة- لدواء تم اكتشافه وتصنيعه باستخدام الذكاء الاصطناعي.

بيانات المرضى: بين التحليل والإدارة 

إن كان الأمر مرهقاً للأطباء لتتبُّع البيانات الطبّية، وحفظ المعلومات لمريضٍ أو عددٍ من المرضى والرجوع إليها، فقد بات سهلاً للذكاء الاصطناعي الذي أصبح له دوره في جعلها أكثر قابلية للإدارة، وفي تتبُّع تاريخ المريض الطبّيّ لتشخيص الحالة، وتقديم حلولٍ واقتراحاتٍ وعلاجاتٍ مُحتمَلةٍ له بدقَّة كبيرة.


وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، أطلقت وزارة الصحّة ووقاية المجتمع تطبيق "ميدو اب"، ومهمّته متابعة المرضى عن بُعد، وتحليل بياناتهم عن طريق تقنيات الذكاء الاصطناعي، ويمكن من خلاله التنبُّؤ بالمضاعفات والظروف الصحية المُهدِّدة لحياة المرضى قبل حدوثها؛ وذلك بتتبُّع المقاييس المهمة المُتعلِّقة بالعناية بالمرضى، ممّا يُمكِّن الفِرَق الطبّية من تقديم أفضل رعاية صحّية تناسب احتياجات الشخص؛ من خلال إظهار البيانات الخاصة به وتحليلها.

تخصيص العلاج للمريض: لجودة حياة أعلى 

لكلّ إنسان طبيعته في الاستجابة للأدوية؛ لذا قد يُسهم اختيار الدواء وجدول العلاج الأنسب لشخص ما بشكل دقيق في حدّ ذاته في شفائه، وتحسين جودة حياته، ولأنّ مرحلة تحديد العوامل بدقَّة لاختيار العلاج بشكل مُخصَّص ومناسب لطبيعة جسم المريض تحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد، جاء الذكاء الاصطناعي ليعطي نتائج دقيقة وسريعة في الوقت نفسه. 


إنّ خوارزميات الذكاء الاصطناعي تساعد على اكتشاف الخصائص التي تُوضّح كيفية استجابة المريض لنوع مُحدَّد من العلاج؛ من خلال كمّية المعلومات الضخمة التي تُخزِّنها لحالاتٍ مرضيةٍ عديدةٍ في تواريخ سابقة، ومقارنة المُدخَلات معاً، وبالتالي تسهيل العمل على الأطباء بهذه المقترحات الأكثر تحديداً للحالات الجديدة. 

مساعد رعاية صحي ذكي: خدمة تمريض أكثر فعالية

يؤدّي مساعدو الرعاية الصحّية الرقميّون العديد من المهامّ التي تُخفِّف العبء عن الكادر الطبّي، وتتمثّل بالإجابة عن أسئلة المرضى على مدار الساعة طوال أيّام الأسبوع وبالسرعة المناسبة، خاصّة الأسئلة المُتعلِّقة بالأدوية، بالإضافة إلى متابعة الحالات الصحّية وتقديم النصائح. 


مساعدو الرعاية الصحية هم منصّات طبّية تفاعُليّة، أو روبوتات يمكن للمرضى التواصل معها وقتما يريدون؛ حتى يُوفّروا على أنفسهم عناء زيارة المستشفى، وتُعَدّ المُمرِّضة "Molly" التابعة لشركة (Sensely) مُساعداً رقميّاً مشهوراً في هذا المجال. 


ومن أشهر الأمثلة على المساعدِين الافتراضيِّين أيضاً والذين يساعدون على تقليل زيارات المستشفى المساعِد الافتراضيّ من كير أنجل "Care Angel"، وهو روبوت يمكنه إجراء فحوصات صحية عبر الصوت والذكاء الاصطناعي؛ لتحقيق نتائج طبّية أفضل بتكلفة أقلّ، إضافة إلى قدرته على التواصل والاستجابة بسرعة.


وفي دولة الإمارات العربية المُتَّحِدة، كان مشروع مركز عمليات التميُّز الإكلينيكي (PaCE)، التابع لمُؤسَّسة الإمارات للخدمات الصحِّية، والمدعوم بأحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي، خُطوةً مهمَّةً نحو التقدُّم في هذا المجال؛ من خلال تطبيق نظام يعمل كمساعد رقمي افتراضي في مراحل الرعاية الصحّية كلّها، الأمر الذي أسهم في تعزيز جودة الرعاية الصحّية، وخفض مدّة الإقامة وإعادة الإدخال في أقسام العناية المُركِّزة، إلى جانب خفض نسبة الإصابة بعدوى المستشفيات.


وبالإضافة إلى ذلك، يقوم هذا النظام بمراقبة الأدوية، وأسباب الأمراض والثغرات في خُطَط الرعاية الصحّية بشكل استباقيّ؛ من خلال التطبيق الذكيّ المُرتبِط بالسجِلّ الإلكترونيّ الطبّي.

إلى أين سيصل الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحّي؟

ما يُؤكّد أهمية الذكاء الاصطناعي في مجال الطبّ هو القيمة السوقية للروبوتات الطبّية التي تزداد مع مرور الوقت؛ إذ يتزايد استخدامها، والإقبال عليها؛ ففي أحد التقارير التي نشرتها منصَّة (statzon) المُساعِدة لشركات التكنولوجيا، كانت تُقدَّر القيمة السوقية للروبوتات في عام 2022 بحوالي 18.1 مليار دولار، ويتوقَّع الخبراء وفق هذا التقرير أن تصل إلى ما يقارب 83.1 مليار دولار بحلول عام 2032.


وفي النهاية، لن يتمّ التَّخلّي عن الأيدي العاملة البشرية من الأطباء ومُقدِّمي الرعاية الصحِّية، وربَّما لن تَحلَّ الخوارزميات والآلات مكان الطاقم الطبّي البشريّ، إلّا أنّ توفير المال والوقت والجهد وتقليل نسبة الخطر أصبح ممكناً بالفعل بتطبيق الذكاء الاصطناعي في عالم الطبّ.

المراجع

[1] ncbi.nlm.nih.gov, Overview of artificial intelligence in medicine
[2] blog.petrieflom.law.harvard.edu, How Artificial Intelligence is Revolutionizing Drug Discovery
[3] ibm.com, What is artificial intelligence in medicine?
[4] sitn.hms.harvard.edu, Artificial Intelligence in Medicine: Applications, implications, and limitations

July 30, 2024 / 2:04 PM

مواضيع ذات صلة

أخبار ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.