جار التحميل...
كان الذكاء الاصطناعي في النصف الأول من القرن العشرين جزءاً من الخيال العلميّ، بينما صار يُستخدم اليوم في الحياة اليومية، وفي كافّة المجالات، وعلى نطاقٍ واسع، ممّا يدلّ على تطوُّره بسرعةٍ مذهلة، وعلى أنّ مستقبله سيكون واعداً ومليئاً بالمفاجآت؛ إذ سيؤدّي إلى تحوُّلاتٍ جذرية في مختلف القطاعات، ويُعزّز الكفاءة والإنتاجية، ويفتح آفاقاً جديدة للإبداع والابتكار.
قُدِّر حجم سوق الذكاء الاصطناعي العالميّ في عام 2023 بــ 196.63 مليار دولار، ولكن وفقاً لموقع ستاتيستا (Statista) المُتخصِّص بالإحصائيات العالمية، يُتوقَّع أن يصل حجم هذا السوق إلى 738.80 مليار دولار مع نهاية عام 2030م.
وسيشهد أيضاً مستقبل الذكاء الاصطناعي اعتماداً متزايداً من قِبل الشركات والمؤسسات وحتى الدول؛ لتحقيق أهدافها، وتعزيز إمكانياتها؛ من خلال تبنّي خططٍ تنموية لدمج الذكاء الاصطناعي في القطاعات المختلفة، ومن أبرز الأمثلة على ذلك: "استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي"، التي أطلقتها حكومة دولة الإمارات، وتهدف من خلالها إلى أن تكون حكومة الإمارات الأولى عالمياً في استثمار الذكاء الاصطناعي، وفي مختلف القطاعات، بحلول مِئويّتها عام 2071 م، كما تهدف إلى دمج الذكاء الاصطناعي بجوانب العمل الحكوميّ كلّها؛ بما في ذلك الخدمات، وتحليل البيانات، والاعتماد عليه بمُعدَّل 100% بحلول عام 2031 م.
يتمتَّع الذكاء الاصطناعي بإمكاناتٍ هائلة لإحداث ثورةٍ إيجابية في كافّة المجالات مستقبلاً، وفيما يأتي توضيح أكثر لذلك:
من المُرجَّح أن يُصبح تشخيص الأمراض وعلاجها أكثر سهولة ودقَّة باستخدام الذكاء الاصطناعي؛ من خلال تحليل البيانات الطبية الضخمة، واكتشاف العلاقات فيما بينها بطريقةٍ مذهلة، وتحديد المشكلات الصحية، والعلاجات المناسبة لها، ومراقبة تأثير هذه العلاجات في المرضى، وتعديلها وفقاً لحالتهم من خلال مساعدِي التمريض الافتراضيِّين.
كما ستؤدّي البرامج الذكية والأجهزة القابلة للارتداء؛ كالساعات الذكية المُتقدِّمة، دوراً فعّالاً في تتبُّع البيانات الصحية، وتقديم النصائح في ما يتعلّق بالنظام الغذائي، والنشاط البدني، والتعامل مع الأمراض المزمنة، وليس ذلك فحسب، بل ستزداد دقَّة إجراء العمليات الجراحية، وستقلّ نسبة الأخطاء والمخاطر فيها بشكلٍ واضح؛ بسبب استخدام الروبوتات الجراحية المخصصة لذلك على نطاقٍ واسع.
مستقبل الذكاء الاصطناعي في التعليم واعد، ويشمل العديد من الاستخدامات المبتكرة، والتحوّلات المذهلة في عملية التعلُّم والتدريس؛ إذ سيكون له دور فعّال في تسهيل إدارة المهام التعليمية الخاصّة بالمعلِّمين؛ بما في ذلك تقييم الطلاب، وتحليل بياناتهم، وفهم احتياجاتهم، ومستوياتهم الفردية بشكلٍ أفضل، واقتراح أساليب ومواد تعليمية مُخصَّصة لكلٍّ منهم، وكذلك رفع جودة التعليم، وجعله أكثر تفاعلية وفائدة؛ من خلال توفير بيئات تعليمية ذكية تعتمد على الروبوتات، والواقع الافتراضي، والتعلّم الآلي.
يُمهّد الذكاء الاصطناعي لمستقبلٍ أكثر أماناً وكفاءة في مجال النقل والمواصلات؛ وذلك بتوفير سياراتٍ ذكية، أو حتى ذاتية القيادة، قادرة على استشعار البيئة المحيطة بها، واتِّخاذ قراراتٍ سريعة وآمنة أثناء القيادة، وكذلك الكشف المبكّر عن أعطال المركبات، وتحذير السائقِين من المشاكل المحتملة.
بالإضافة إلى تحليل حركة المرور في الوقت الفعليّ، وإدارتها عن طريق أجهزة استشعار وأنظمة ذكية، ممّا يُقلّل من الازدحام، ويُعزّز السلامة العامة، إلى جانب تحسين أنظمة النقل العام، وتعزيز كفاءتها؛ بحيث يُمكن للمركبات المزوَّدة بالذكاء الاصطناعي تحليل البيانات الخاصّة بالركاب، والتنبّؤ بالطلب، وتحسين جداول الرحلات، وتوفير خدمات أكثر فعاليّة.
يتمثل مستقبل الذكاء الاصطناعي في مجال التسويق وخدمة العملاء بخلق تجارب أكثر كفاءة وإرضاءً للعملاء؛ وذلك بتطوير مساعدِين رقميِّين وروبوتات دردشة قادرة على الإجابة عن استفساراتهم بطريقةٍ تحاكي طريقة البشر، كما ستكون قادرة على تحليل البيانات الضخمة الخاصّة بهم، وتوقّع احتياجاتهم المستقبلية، وبالتالي اتخاذ قراراتٍ أفضل بشأن الخدمات المُقدّمة لهم، ولن يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل ستكون هناك أدوات ذكية ومتقدمة لإنشاء محتوى تسويقي أكثر تخصيصاً للجمهور المستهدَف.
على الرغم من الإيجابيات والفوائد الهائلة التي يُتوقَّع أن يقدمها الذكاء الاصطناعي للعالم في المستقبل، إلّا أنّه يحمل بعض السلبيات والمخاطر المحتملة، ومن أبرزها ما يأتي:
وفقاً لتقديراتٍ تابعة لشركة الاستشارات العالمية ماكنزي (McKinsey Global Institute)، فإنّ نحو 400-800 مليون شخص من مختلف أنحاء العالم يُمكن أن يفقدوا وظائفهم بحلول عام 2030م؛ بسبب التشغيل الآلي، خاصَّة الوظائف التي يُمكن تنفيذ مهامّها بالتكنولوجيا والأنظمة الآلية؛ كالمهامّ السكرتارية على سبيل المثال، ولكن من ناحيةٍ أخرى، يُتوقَّع زيادة الطلب على المُتخصِّصين في مجالات التكنولوجيا المختلفة؛ كالتعلُّم الآلي، وأمن المعلومات، كما يُمكن للشركات استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي؛ لتعزيز مهارات مُوظّفيها وإبداعاتهم في العمل، لا لتكون بديلاً لهم تماماً.
يتطلَّب الذكاء الاصطناعي جمع كمياتٍ كبيرة من البيانات العامّة؛ لتحليلها، واستخدامها في التطبيقات والنماذج المختلفة الخاصّة به، مثل: التعلُّم الآلي، والنماذج التنبُّؤية -تعتمد على خوارزميات متقدمة للتنبّؤ بنتائج مستقبلية-، دون وجود سياساتٍ واضحة لحماية هذه البيانات، وبما أنّ الذكاء الاصطناعي في تقدّمٍ وتطوّرٍ مُستمِرّ، فهو بحاجة إلى المزيد من البيانات أيضاً، وهذا كلّه يُهدّد خصوصية أصحابها وأمانهم، كما يُثير بعض المخاوف حول إمكانيةِ استخدامها لأغراضٍ غير مشروعة، مثل: شَنّ اختراقاتٍ إلكترونية، أو التجسُّس على الآخرين وانتهاك خصوصيتهم.
لا يُقصَد بفقدان السيطرة المعنى الذي يتخيّله البعض باستيلاء الذكاء الاصطناعي والروبوتات على البشر، والتحكّم بهم كلياً، بل المقصود هو أن يُصبح التعامل مع بعض خوارزميات الذكاء الاصطناعي أكثر تعقيداً لدرجة عدم القدرة على فهم الآلية التي طوّرت بها نفسها، وكيفية اتخاذها للقرار.
ويُمكن أن يؤدي ذلك إلى مشاكل في إعادة برمجة هذه الخوارزميات، وفهم الآلية الجديدة التي تعمل بها، وفقدان السيطرة عليها مع مرور الوقت، كما يُمكن ملاحظة جزء من ذلك في وقتنا الحالي في الروبوتات والأنظمة ذاتية التعلُّم المتطورة جداً، والتي تتطلّب معالجة كمياتٍ ضخمة من البيانات، واتِّخاذ قراراتٍ بسرعة تفوق قدرة العقل البشريّ.
ختاماً…
مع زيادة الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، ستكون هناك إيجابيات وفوائد عِدَّة بالتأكيد، إلّا أنّه لا بُدّ من مواجهة بعض التحديات أيضاً؛ بالتخطيط لمستقبل الذكاء الاصطناعي بعنايةٍ، ووضع سياساتٍ وقيودٍ واضحة تضمن استخدامه بشكلٍ مسؤولٍ وأخلاقيّ، ممّا يُمكِّن فعلاً من الاستفادة منه بأكبر قدرٍ ممكن، وتفادي مخاطره وسلبياته المحتملة.
[1] techtarget.com, The future of AI: What to expect in the next 5 years
[2] builtin.com, The Future of AI: How Artificial Intelligence Will Change the World
[3] analyticsvidhya.com, What is the Future of AI? (Expert Predictions)
[4] u.ae, استراتيـجيـة الإمارات للذكاء الاصطناعي
[5] simplilearn.com, Future of AI (Artificial Intelligence): What Lies Ahead?