يواجه الاقتصاد العالمي أزمات متكررة خاصةً بما يتعلق بمنظومة الغذاء، ودولة الإمارات العربية المتحدة ليست بمعزل عن العالم في هذا الشأن، حيث تخطو خطوات حثيثة نحو الحد من مشكلات انخفاض الغذاء، وتقوم بجهود كبيرة تنسجم مع استراتيجيتها الاستشرافية لإيجاد حلول لتلك المشكلات، فقد أشارت منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" إلى انخفاض المحاصيل الزراعية وزيادة الهدر في العالم حيث وصلت بنسبة 30% على المستوى العالمي، وقد يُشكل ذلك مشكلة كبيرة في نقص الأغذية ومنتجاتها والمنتجات الحيوانية الأخرى، ففي يوليو الماضي تم الإعلان عن "برنامج مؤتمر الأطراف "COP28" للنظم الغذائية والزراعة" الذي يهدف إلى تعزيز جهود النظم الغذائية والزراعية العالمية، حيث دعت رئاسة مؤتمر الأطراف "COP28" جميع أعضاء المجتمع الدولي إلى زيادة الالتزام بتوسيع نطاق الحلول المستخدمة، مع التركيز في الاستثمار وتعزيز الشراكات نحو الأفكار التحويلية.

وفي ضوء ذلك أطلقت دولة الإمارات استراتيجيتها الوطنية للأمن الغذائي 2051م، والتي تستهدف من خلالها إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، كما يحظى ملف تحقيق الأمن الغذائي الوطني بأولوية كبيرة تعكسها السياسات الحكومية الداعمة لمشاريع المواطنين في المجال الزراعي، وفي مقدمتها الترويج للمنتج المحلي ودعم الصناعات الوطنية والزراعة الذكية فضلاً عن توظيف التقنيات التكنولوجية في تحسين مستدام لسلالات الإنتاج للمحاصيل المختلفة من خلال استخدام هذه الحلول والتقنيات الذكية.

ولا شك في أن ما تبذله دولة الإمارات من جهود حثيثة؛ تصب في مصلحة المجتمع، حيث تتعاون كافة الجهات المعنية بالدولة في الوصول إلى الأمن الغذائي المستدام.

 ومن إمارة الشارقة وتحديداً من مزرعة الذهب الأصفر (مزرعة مليحة) حيث تكللت الجهود بتحقيق الحصاد الجديد في حفلٍ بهيج، والتي وصلت من خلاله إمارة الشارقة لتنميةٍ زراعيةٍ مستدامة تُسهِم في رفع نسبة الاكتفاء الغذائي سواء من المحاصيل الزراعية كقمح وغيرها من المحاصيل الأخرى، أو في مجال الثروة الحيوانية من مشاريع الألبان ومشتقاتها أو الدواجن، فقد قامت حكومة الشارقة بالاندماج في العديد من المبادرات التي أطلقتها دولة الإمارات العربية المتحدة مثل: استراتيجية الأمن الغذائي الوطنية 2051، وبنك الإمارات للطعام، ودليل نبض الاستزراع السمكي 2020، بالإضافة إلى الاتفاقيات التي أبرمتها الجهات المعنية في الإمارة، والتي تهدف إلى تحقيق الاكتفاء في الأمن الغذائي لسكان إمارة الشارقة.

ومن جهة أخرى، نجد الجهات المعنية في إمارة الشارقة كدائرة الزراعة والثروة الحيوانية تدعم المواطنين أصحاب المزارع عن طريق توزيع البذور والمستلزمات الزراعية والدعم اللوجستي بشكل عام، والذي يهدف إلى بناء قدرات المزارعين سنوياً في مجال الأعمال الزراعية والحيوانية وتشجيعهم، حيث يشكل هذا الدعم واحداً من أهم البرامج التي تتبناها حكومة الشارقة لتحقيق الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي.

وتسعى إمارة الشارقة إلى السير بخطى ثابتة ومستمرة نحو تطوير الإنتاج المحلي تحقيقاً للاستدامة الغذائية من خلال توظيف التقنيات التكنولوجية في المجال الزراعي والحيواني، ولعل من أهم تلك التجارب مزرعة قمح الشارقة في منطقة مليحة "سبع سنابل" ، حيث يتضمن حقولاً تجريبية لنحو (34) نوعاً من القمح في العام المنصرم، والآن قفزت هذه الحقول التجريبية لنحو 550 صنفاً ، مُستخدِمةً فيه أحدث التقنيات وأجودها في مختبر متطور لإنتاج سلالات القمح، والتي تعزز الاستدامة، وتحقق الأمن الغذائي ليس في الإمارة فحسب، بل في دولة الإمارات بأكملها، وتعد هذه التجربة الفريدة من نوعها من المشاريع الإستراتيجية الكبرى التي تتقدم بها إمارة الشارقة عن غيرها، حيث بلغت في العام السابق مساهمة مزرعة مليحة 1600 طن على مساحة 400 هكتار في منطقة مليحة، واليوم نعيش فرحة الحصاد الثاني من محصول القمح لهذا العام وكأنني أستشعر قوله تعالى: ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾[سورة يوسف: 49]، حيث ستفوق نسبة المساهمة بإذن الله أكثر من 5 آلاف طن، ناهيك عن المشروع الذي سيرى النور قريباً وهو ما يتعلق بإنتاج الألبان واللحوم وغيرها، والذي سيكون علامة فارقة في تحقيق الصحة الغذائية المستدامة من الغذاء المحلي في إمارة الشارقة، وبهكذا تكون الشارقة قدَّمَت الزود في تحقيق الأمن الغذائي.