بطبيعة الحال، هذه أسئلة مشروعة ودافعها نبيل، هدفها الحرص على أن يكون في كل يوم مكان للمشاعر الإنسانية التي تبرر وجودنا كبشر، ومكان للفعل الإنساني الذي يخفف معاناة المحتاجين وضحايا الظروف الصعبة، لكن لنكن صريحين مع أنفسنا ونقول: نعم نحن بحاجة لهذه المناسبات والأيام السنوية لأننا ننسى، هذه هي طبيعة البشر، النسيان سمة وليس عيب، ننشغل بحياتنا اليومية، تمر الأيام والأسابيع والشهور وكأنها أيام قليلة، وإذا خطر في بالنا واجب علينا القيام به تجاه الآخرين، نؤجل ونقول غداً ليمتد الغد أكثر مما نريد.
في حساباتنا الخاصة، قد تكون الأوقات التي نسينا فيها أنفسنا وواجباتنا، عادية ومحمولة، ولكن هل هي كذلك فعلاً بالنسبة للاجئين أو ضحايا الكوارث والنكبات والصراعات، بالطبع لا، هنا يتجسد مفهوم نسبية الزمن، فهو قصير وسريع جداً لمن يعيشون حياة عادية، لكنه طويل وصعب وملئ بالألم لمن يعيشون معاناة صعبة، لمن تشكل الاحتياجات اليومية البسيطة بالنسبة لهم تحدياً وقلقاً، لمن لا يستطيعون توقع ما سيحدث لهم بعد لحظات أو أيام، ولا يملكون إلا لحظتهم الراهنة.
لكن، فإن ما ينطبق من مشروعية النسيان على الأفراد العاديين، لا ينطبق على مؤسسات العمل الإنساني بشكل خاص، كما لا يمكن الاستمرار في تبرير النسيان والانشغال عن القضايا الإنسانية عند المؤسسات والهيئات ذات التخصصات المتنوعة وحتى لو كانت غير مختصة بالعمل الإنساني، فالأولى، يشكل العمل الإنساني جوهر وظيفتها وقلب رؤيتها، تنشغل يومياً في تطوير البرامج والمشاريع التي تستجيب لتحديات الحالات الإنسانية حول العالم، وفي الارتقاء بدورها التوعوي والتثقيفي، أما المؤسسات والهيئات والجهات الأخرى التي تتبنى مهمات وتخصصات مختلفة، فقد صار من الضروري أن تمنح العمل الإنساني مساحة كافية في برامجها ومشاريعها وخططها.
وفي يوم اللاجئ العالمي، نتمنى أن نرى هذا التوجه بشكل أكبر من المؤسسات الأكاديمية من مدارس وجامعات، لتخصص ضمن أنشطتها دروساً ومحاضرات ونشاطات للطلبة، تتناول قضايا اللاجئين وتبين معاناتهم، وتقدم مقترحات يتشارك فيها الطلبة أنفسهم حول كيفية تقديم المساعدة سواء كانت مادية أم معنوية. الأمر ذاته ينطبق على مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، وعلى الشركات والمؤسسات في مجتمعات الأعمال، تستطيع أن تخصص ندوات ومحاضرات وأن تنظم اجتماعات وفعاليات لدعم القضايا الإنسانية الأكثر إلحاحاً وفي مقدمتها اللاجئين والمحتاجين، هكذا تبقى القضايا الإنسانية حية وحاضرة في الذاكرة.
نعم.. في هذا العصر، بات النسيان عدواً للوجب، وبات الوقت تحدياً حقيقياً وحاسماً عندما يتعلق الأمر بالمحتاجين واللاجئين.. وليكن يوم اللاجئ العالمي مناسبة لإدراج النشاطات والبرامج الإنسانية بشكل أسبوعي على الأقل على أجندات مهماتنا وحياتنا اليومية أفراداً ومؤسسات، هكذا لا يبقى النسيان عدواً للإنسانية، ولا يصبح الوقت عبئاً إضافياً يثقل كاهل اللاجئين والمحتاجين.