قد تكون إحدى أعظم المشكلات التي سنواجهها لاحقاً، أو نعاني في فهمها وإدراك متطلباتها، وهي أننا لا نهتم بأدب الروح، أو من التأدب مع النفس ومحاولاتنا المستمرة في أن نلبسها الشقاء في كل حين، بل نغلظ عليها في تصرفاتنا ونقسو ونرهق في تعاملاتنا فكرياً وذهنياً ونفسياً، أو حتى جسدياً.
ونهتم بمشكلاتنا الآنية وهموم العيش اليومية البسيطة، التي لا تنتهي مفرداتها حتى إذا خذلتنا طاقتنا، ونفدت وبلغنا من العمر شأواً وبدأنا نلتفت لأنفسنا، واصطدمنا بذلك الفراغ الروحي، الذي يلازمنا ويحتوي أفئدتنا.
وتلك الابتسامات الجميلة، التي تبديها غالباً أمام الآخرين، حتى لا يشعرون بك، ولحظات الصمت، والبكاء المكبوت في العين، التي نأخذها خلف الأبواب، قبل أن تدخل بضحكاتك، وطبيعتك المرحة على أصحابك، قد تخفي خلفها الكثير من المواقف والمشاعر المرهقة، التي تعيشها وتمربها وهم لا يشعرون، وأوراق من الأحزان، التي لم تهمس بها لهم، وقد تحتاج منك أن تبذل الكثير من تكتيك وفنون التجاهل للبعض، وتجاوز الحدود والخطوط، التي رسمتها لهم من قبل حتى تنجو بنفسك.
فمن ذا الذي لا يحتاج للعيش في هدوء، لينعم بالسلام والطمأنينة في حياته، ويبتعد عن كل ما من شأنه أن يوقع بالنفس الألم، وهل بالإمكان أن نتجاهل الآخرين ونتخطاهم، أو نصد عنهم، أو نهجرهم إن لزم الأمر، حتى نستطيع أن ننجو بحياتنا، ونجتاز الصعوبات التي قد تأتي من أفكار أو أشخاص سلبيين، لا يقدّرون الأوقات أو يثمنون قيمة حياة غيرهم، ولا يدركون معنى العيش بسلام دون منغصات، ودون أذى وكما يقال: "إن أتقنت فن التجاهل اجتزت نصف مشاكل الحياة".
كن رفيقاً بتلك النفس التي بين جنباتك، ولا تقسو عليها فيكفيها ما أصابها من شدة وقسوة الزمان، وأعلم أنه لا يوجد أحد على وجه الأرض في سرور دائم، أو من الهم بات خالياً، وأن لنفسك عليك حقاً، فارأف بها وتلطف فهي أحوج ما تكون لتعيش هادئة مطمئنة.