فسأله المأمون: هل أعجبتك قصيدتنا يا شاعر؟، فأجابه: لا والله، لا أشم منها أي رائحة للبلاغة! فغضب المأمون ثم مال على حاجبه وأمره بإلقاء أبي نواس في الإسطبل حبيساً مع الخراف والحمير، وبقي فيه شهراً كاملاً، أفرج عنه بعده ليدعى إلى مجلس الخليفة ويتكرر الاختبار.
ألقى المأمون قصيدته الجديدة التي لا تقل ضعفاً عن سابقتها، ولما انتهى نهض "أبو نواس" وسار باتجاه الحراس، فسأله الخليفة: إلى أين يا شاعر؟
فأجاب: إلى الإسطبل يامولاي! فضحك المأمون وعفا عنه.
الحق مُزعج يا احبه للذين اعتادوا ترويج الباطل حتّى صدقوه، الحق لا ينتصر إلّا بمنازعة الباطل، والحقيقة لا تخاف النقاش، علينا أن نؤمن بشرف الخصومة الفكرية، الإعدام ليس من الشرف، ونصف الحق أشر من الباطل.
والذين يدافعون عن الحق بالقوة لا يلبثون إلّا ريثما يبلغون ما يريدون ثمّ تصبح القوة وحدها رائدهم، وما أكثر المطبلين المزمرين من المنافقين في أيامنا هذه، لكن يبقى لسان الحق داحراً لكل باطل لمن بقيت في نفسه الشجاعة لتأييد الحق.