جار التحميل...

mosque
partly-cloudy
°C,

إدماج التراث بمنظومة التعليم: مقاربة أكاديمية لحفظ الهوية الثقافية

22 مايو 2025 / 10:30 AM
إدماج التراث بمنظومة التعليم: مقاربة أكاديمية لحفظ الهوية الثقافية
download-img
في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم، بات التراث الثقافي يواجه تحديات متعددة تهدد استمراريته وحضوره في الوعي الجمعي، ولعل أبرز هذه التحديات يتمثل في العولمة والانفتاح التكنولوجي، اللذين أسهما في طمس الكثير من المظاهر التقليدية وإضعاف الروابط الثقافية، ومن هذا المنطلق، لم يعد حفظ التراث يقتصر على الممارسات الاحتفالية أو جهود الأرشفة والمتاحف، بل أصبح من الضروري التعامل معه كموضوع علمي حي، يتطلب دراسة ممنهجة، وتوثيقًا دقيقًا، وتفسيرًا أكاديميًا يضمن نقله للأجيال بأساليب حديثة ومؤسسية.
ويُعد التعليم الأكاديمي إحدى الأدوات المحورية في تحقيق هذا الهدف، إذ يُسهم في تحويل التراث من مادة خام إلى محتوى معرفي قابل للتدريس والتحليل، كما يعمل على إدماجه في صلب العملية التعليمية، من خلال المساقات، والمشاريع البحثية، والدراسات الميدانية التي تُرسّخ قيم الهوية والانتماء. كما يُساعد التعليم على تأهيل كوادر قادرة على العمل في مجالات التراث المختلفة، كالتوثيق، والصون، والإحياء، من خلال بناء بيئة علمية تنظر إلى التراث لا كماضٍ ساكن، بل كمورد ثقافي وإنساني متجدد.

ولا يتوقف دور التعليم على نقل المعلومات، بل يمتد إلى بناء قدرات نقدية وفكرية لدى الطلبة، تمكنهم من فهم التراث في سياقاته الاجتماعية والتاريخية، وتحليل تحولاته، واستيعاب تنوعه. كما أن دمج التكنولوجيا الرقمية في العملية التعليمية أسهم في ابتكار وسائل أكثر فاعلية لحفظ التراث وتوثيقه، من خلال قواعد البيانات الرقمية، والتطبيقات التفاعلية، والمنصات الإلكترونية التي تتيح الوصول إلى الموروث الثقافي بصورة جذابة وحديثة.

وعلاوة على ذلك، يُعزّز التعليم الأكاديمي من حضور التراث في الحياة العامة، من خلال المشاريع المجتمعية، والمعارض الثقافية، والمهرجانات، التي تربط بين المعرفة النظرية والتجربة الميدانية، كما يُسهم في خلق فضاءات للحوار الثقافي، وتبادل الخبرات بين المؤسسات التعليمية والجهات المتخصصة بالتراث على المستويين المحلي والدولي.

وفي هذا السياق، تُعد تجربة معهد الشارقة للتراث نموذجًا رائدًا لتوظيف التعليم الأكاديمي في خدمة التراث، فقد نجح المعهد في تطوير برامج تعليمية متخصصة تجمع بين البعد المعرفي والمهني، وتعتمد منهجية تدمج بين النظرية والممارسة، وتُشجع الطلبة على الانخراط في مشاريع ميدانية توثق الموروث الحي، مما جعل منه مؤسسة تعليمية تسهم في تخريج كوادر ذات وعي ثقافي عميق، قادرة على مواكبة المتغيرات دون التفريط بالهوية الأصيلة.
May 22, 2025 / 10:30 AM

مواضيع ذات صلة

أخبار ذات صلة

Rotate For an optimal experience, please
rotate your device to portrait mode.