جار التحميل...
ومن بين أبرز مكونات هذا التراث، يبرز "السنع الإماراتي" بوصفه منظومة متكاملة من القيم والسلوكيات التي تجسد الهوية الوطنية، وتحولها إلى ممارسة يومية تعزز روح الانتماء، وترسخ أواصر المجتمع.
السنع الإماراتي، هو مجموعة من القواعد الأخلاقية والسلوكية غير المكتوبة التي شكلت عبر الزمن، مرجعية رفيعة للتعامل الراقي بين أفراد المجتمع.
وتتجلى مظاهر السنع في الضيافة وآداب الحديث واحترام الكبير والمشاركة المجتمعية في المجالس والمناسبات، مما يجعله ممارسة حية تنتقل من جيل إلى آخر، وتعكس جوهر الثقافة الإماراتية وأصالتها المتجددة.
تتكون الهوية الوطنية الإماراتية من مجموعة عناصر مترابطة، يأتي في مقدمتها الدين الإسلامي، واللغة العربية، والتاريخ المشترك، بالإضافة إلى القيم والعادات والتقاليد والرموز الوطنية مثل العلم والنشيد، إلى جانب تأثير الموقع الجغرافي في تشكيل الخصوصية الثقافية للدولة.
وتتكامل هذه العناصر، مع منظومة السنع، لتصنع مواطناً يحمل إرثه الثقافي بكل اعتزاز وثقة، وقادراً على مواجهة متغيرات العصر من دون أن يتخلى عن جذوره.
يمثل السنع، التطبيق العملي لمكونات الهوية الوطنية، إذ يُرسّخ قيم الانتماء من خلال تفاصيل الحياة اليومية، ويُترجم الهوية من مفاهيم نظرية إلى سلوك عملي.
كما يسهم الالتزام بالسنع في تعزيز الروابط الاجتماعية، وإظهار الاحترام للموروث الوطني، ليصبح بذلك حاجزاً صلباً أمام مظاهر الذوبان الثقافي والانصهار في العوالم الأخرى.
وتبذل دولة الإمارات، جهوداً متواصلة لترسيخ السنع في نفوس الأجيال، من خلال إدماجه في المناهج الدراسية، وإطلاق مبادرات وطنية مثل برنامج "السنع في المدارس"، وتعزيز دور المجالس المجتمعية بوصفها المدرسة الأولى لغرس القيم والمبادئ.
كما تلعب المؤسسات الثقافية، دوراً محورياً في نشر الوعي بأهمية السنع وتأصيله في الوجدان الشعبي.
ورغم هذه الجهود، تواجه قيم السنع تحديات عدة، أبرزها تأثير العولمة وتغير أنماط الحياة، مما يؤدي إلى تراجع بعض الممارسات التقليدية واختفاء بعض تفاصيل السنع الدقيقة.
كما يشكل غياب التوثيق العلمي المنهجي، تهديداً حقيقياً لاستدامة هذا الإرث عبر الأجيال، مما يستدعي تعزيز الجهود البحثية والتوثيقية لضمان بقائه حياً في الذاكرة الوطنية.
وتضطلع المؤسسات الأكاديمية، بدور حيوي في هذا المجال، إذ يقع على عاتقها مسؤولية توثيق السنع وإدماجه في البرامج التعليمية، وتأهيل كوادر شبابية واعية قادرة على حمل هذا الإرث، ونقله للأجيال المقبلة عبر أساليب علمية حديثة.
وتبرز أهمية الورش والمحاضرات الثقافية، في تنمية هذا الوعي، وتعزيز الحس الوطني لدى الطلبة والشباب.
وقد برز معهد الشارقة للتراث، بوصفه نموذجاً رائداً في نشر وتعزيز مفاهيم السنع، من خلال تنظيم برامج تعليمية وتدريبية موجهة لمختلف الفئات العمرية، وعبر ورش العمل والمحاضرات والبرامج التفاعلية التي تغرس قيم السنع بأسلوب أكاديمي مؤسسي، مما يضمن ترسيخ هذا الإرث ضمن إطار معرفي متكامل.
ولضمان استدامة السنع الإماراتي، تبرز الحاجة إلى إدماجه بشكل أعمق في المناهج التربوية، وتوسيع نطاق البرامج التوعوية الموجهة إلى الأسرة والمجتمع، إلى جانب دعم الإعلام المحلي لتقديم نماذج إماراتية أصيلة تعكس التمسك بالسنع.
كما أن تشجيع البحث الأكاديمي في مجال السنع والهوية الوطنية، من شأنه أن يفتح آفاقاً جديدة أمام حفظ هذا الموروث وتطويره بما يتلاءم مع متطلبات العصر.
إن السنع الإماراتي، ليس مجرد موروث جامد محفوظ في الذاكرة، بل هو هوية ناطقة وسلوك حي يُمارس يومياً.
وتعزيز السنع، هو في جوهره تعزيز للتماسك الاجتماعي، وبناء لجيل يعتز بجذوره، ويتفاعل بثقة وإيجابية مع مستقبله.
ومن هذا المنطلق، فإن مسؤولية نقل هذا الإرث والمحافظة عليه، تقع على عاتق كل فرد في المجتمع، ليكون سفيراً لقيمه ومبادئه في بيته ومحيطه، وفي سلوكه وأفعاله اليومية.