جار التحميل...
حثَّ النبي ﷺ على الزراعة، وجعلها من الأعمال الصالحة التي يؤجر عليها المسلم، حيث قال: "ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة" (رواه البخاري ومسلم)، وهذا الحديث يعكس مبدأ الاستدامة، إذ يشجع على زراعة الأرض بما ينفع الناس والمخلوقات الأخرى، مما يعزز التنوع الحيوي ويحافظ على التوازن البيئي.
جاءت السنة النبوية بتشجيع استصلاح الأراضي المهجورة وزراعتها، حيث قال النبي ﷺ: ""«مَنْ أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ" (رواه البخاري)، ويشير هذا الحديث إلى أهمية استغلال الموارد الطبيعية المهجورة وتنميتها بدلاً من تركها بلا فائدة، وهو مبدأ أساسي في الاستدامة الزراعية.
يعد الماء أحد أهم العناصر الضرورية للزراعة، وقد أكدت السنة النبوية على ضرورة ترشيد استخدامه وعدم الإسراف فيه، فقد مرَّ النبي ﷺ بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ، فقال: «إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ» (رواه أبو داود في سننه)، ويدل هذا الحديث على أهمية الاعتدال وعدم المبالغة في استخدام الماء، حتى في العبادات كالوضوء، مما يؤكد مبدأ التوازن في التصرفات.
كما يوجه إلى ضرورة الاقتصاد في الموارد، حيث إن الإسراف في الطهارة والدعاء قد ينعكس سلبًا على سلوك الإنسان في مجالات أخرى من الحياة، فإذا كان الترشيد مطلوبًا في الطهارة والوضوء، فهو أولى في استخدام الماء للزراعة، مما يعكس أهمية الحفاظ على الموارد الطبيعية.
وهذا التوجيه النبوي يعزز أحد أسس الاستدامة، حيث يعتمد نجاح الزراعة على الإدارة الحكيمة للموارد المائية وتجنب الهدر، تمامًا كما يُرشد الحديث إلى الاعتدال في استعمال الماء، حتى في العبادات، تجنبًا للإفراط والإسراف.
شددت السنة النبوية على مبدأ العدل في توزيع المياه، حيث قال النبي ﷺ: "الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْكَلَأ، وَالْمَاءِ، وَالنَّارِ" (رواه أبو داود)، ويشير هذا الحديث النبوي إلى أهمية التعاون في استخدام الموارد الطبيعية المشتركة، وعدم احتكارها، وهو ما يتماشى مع مبادئ الاستدامة الحديثة.
ففي الزراعة المستدامة، تبرز ضرورة التعاون بين المزارعين والمجتمعات في الإدارة الحكيمة للمياه، والحفاظ على التربة، وتطبيق تقنيات الري الحديثة، والزراعة العضوية، وإعادة التشجير، مما يضمن الاستخدام العادل والمسؤول للموارد، فالالتزام بهذا التوجيه النبوي يعزز الأمن الغذائي ويحمي البيئة، مما يؤكد أن الحفاظ على الموارد المشتركة واجب أخلاقي يحقق الاستدامة للأجيال القادمة.
حثَّ النبي ﷺ على غرس الأشجار لما لها من فوائد بيئية واقتصادية، حيث قال: ""إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل" (رواه أحمد في مسنده)، وهذا التوجيه النبوي يعكس روح الأمل والاستمرارية في إعمار الأرض، حتى في أصعب الظروف، مما يدعم الجهود المبذولة في مكافحة التصحر وزيادة المساحات الخضراء، وهو أمر ضروري للحفاظ على التنوع البيئي ومواجهة تحديات التغير المناخي.
من القيم الإسلام التي تتوافق مع الزراعة المستدامة، منع الإضرار بالبيئة أو استنزاف مواردها، فقد نهى أبوبكر الصديق في وصيته للجيش عن قطع الأشجار بغير حق، خصوصًا في الحروب، حيث قال: "ولا تغرقن نخلاً ولا تحرقنها، ولا تعقروا بهيمة، ولا شجرة تثمر، ولا تهدموا بيعة" (أخرجه الحاكم والبيهقي)، وهذا يدل على أهمية الحفاظ على الأشجار المثمرة التي تعتبر جزءًا أساسيًا من البيئة الزراعية المستدامة، إذ تسهم في تحسين جودة الهواء، وحماية التربة من التآكل، وتحقيق الأمن الغذائي للمجتمعات.
تبرز السنة النبوية كمنهج شامل في تحقيق الاستدامة الزراعية، من خلال تشجيع الزراعة والتشجير، وحماية الموارد الطبيعية، وترشيد استخدامها، وتحقيق العدالة في توزيعها. كما تتماشى هذه المبادئ النبوية مع الاتجاهات الحديثة في الزراعة المستدامة، مما يدل على سبق الإسلام في الدعوة إلى الحفاظ على البيئة والموارد للأجيال القادمة، ويعكس تكامل الشريعة الإسلامية مع متطلبات التنمية المستدامة في العصر الحديث.