جار التحميل...
فيما يأتي معلومات أكثر حول تاريخ هذا الفنّ، وأبرز الأساليب والفنون التي تضمَّنها في كلّ حقبة زمنية:
تعود اللوحات ونقوش الكهوف إلى أواخر العصر الحجري القديم؛ أي إلى نحو 40-14 ألف سنة قبل الميلاد تقريباً، وتمتاز الجِداريات في هذه الحقبة الزمنية بكونها مصنوعة من صبغة حمراء من أكاسيد الحديد، أو صبغة سوداء من الفحم، وكانت تُرسَم باستخدام الأصابع، أو أدوات الصوّان على الأسطح الصلبة، مثل: الجدران، والصخور، وكانت قد ظهرت في كهوف فرنسا، وإسبانيا، وإنجلترا، وإيطاليا، ورومانيا، وغيرها، ويُقدَّر عدد المواقع الأثرية التي تحتوي نقوشاً حجرية بارزة بنحو 400 موقع حول العالَم.
وقد صوَّرت الجِداريات في ذلك الوقت مواضيع مختلفة، مثل الحيوانات؛ كالماموث، والأسد، ودببة الكهوف، كما أنّها صوَّرت بصمات الأيدي والبشر بأسلوب تشريحيّ أظهر مقاييس الوجه، والرأس، والعظام، والأعضاء الداخلية بدِقَّة بالغة، وبالشكل الذي تبدو عليه في الواقع.
لم تتغيّر خصائص الفنّ المصري طيلة 3 آلاف عام تقريباً، وظلّت مُرتبطة بالناحية الدينية؛ فقد كانت الأعمال الفنّية المصرية القديمة موجودة بشكلٍ واضح في مقابر الفراعنة الذين كانوا بمثابة الآلهة باعتقاد المصريين القُدامى؛ لأنّهم كانوا يُؤمنون بالحياة الأبدية، وظنّوا أنّ هذه الرُّسومات تساعدهم بعد الموت؛ لذلك رسموا مَشاهِد سعيدة من حياة كلّ شخص ذي مكانة مهمّة على جُدران قبره، بما في ذلك عائلته واهتماماته؛ من خلال نقوش بارزة، أو منحوتات على جزءٍ من الجدار، أو على الهيكل في المعابد والمقابر.
وأكثر ما يُميّز الرُّسومات الجدارية في تلك الفترة تصوير وجوه الأشخاص والحيوانات من الجانب؛ لأنّ ذلك يُظهِر ملامحها بشكلٍ أفضل، بينما كان الجسم يُصوَّر من الأمام؛ لإبراز تفاصيل الملابس والعضلات، كما كان تصوير الأشياء من منظور الثُّنائِيات، مثل: الحياة والموت، والفيضان والجفاف، والخير والشرّ، بالإضافة إلى عرض الأحداث بطريقةٍ مُتسلسِلة تُشبه القصص المُصوَّرة.
كان الهدف من الجِداريات في الحضارة اليونانية القديمة والرومانية تصوير الأساطير، وإحياء ذكرى الانتصارات، وتجميل الأماكن العامّة وقصور الأثرياء؛ إذ عَبَّرت اللوحات الجدارية المُصمَّمة بدقّة عن ثراء المجتمع الروماني وتطوّره، بالإضافة إلى أنّها كانت وسيلة للتعبير عن الثقافة والهُوية، وأساساً لفنّ عصر النهضة لاحقاً.
وقد تميّزت الجِداريات في تلك الفترة بكونها مليئة بالألوان والعناصر المُنسجِمة والمتكاملة، كما اتَّخذت أشكالاً وأدوات مُبتكَرة لتصميمها؛ كاللوحات الفُسَيفسائية، واللوحات المُلوَّنة بفنِّ الفريسكو؛ وهي تقنية رسم تعتمد على دمج الألوان والأصباغ مع الجصّ الجيري المصنوع حديثاً قبل جفافه، ممّا يمنح ثباتاً وديمومة أكبر للألوان، وتشكيل عمل فنّي مُتقَن ومتكامل.
انطلق فنّ العُصور الوُسطى من شمال أوروبا، ومزج بين التراث الفنّي للرومان وأيقونات الكنائس الكاثوليكية، واختلفت أساليبه ومراحله وحركاته من منطقةٍ إلى أخرى خلال تلك الفترة، إلّا أنّ أكثر الفترات الفنّية أهمية هي الفترة البيزنطية، والرومانسكية، والقوطية.
وكانت الجِداريات في تلك الفترة منتشرة بكثرة على جُدران الكنائس، والكاتدرائيات، والأديرة، والأماكن المُقدَّسة؛ إذ صوَّرت رموزاً ذات دلالات دينية، أمّا الأساليب المُستخدَمة فكانت النقوشات الهندسية المُزَخرفة ذات الألوان الزاهية، وكذلك الزجاج المُلوَّن والفُسَيفساء.
رَكَّزت الرُّسومات الجِدارية في عصر النهضة في القرن الخامس عشر تقريباً على أحداث الحياة اليومية، بالإضافة إلى تصويرها الأحداث التاريخية؛ إذ صَوَّرت الشخصيات بوضعِياتٍ ديناميكية أثناء تحرُّكها، مع إظهار تعابيرها وإيماءاتها وكأنّها تتفاعل بعضها مع بعض، بالإضافة إلى وجود خلفية وراءها من المناظر الطبيعيّة والواقعيّة.
كما أنّ تطوير المنظور، ويُعرَف بالعُمق، كان أحد الجوانب الأكثر أهمية في فنّ عصر النهضة؛ وهو تقنية لرَسم الأجسام بطريقة تُظهِر أبعادها على السطح المُستَوي، ممّا يمنح العمل الفنّي واقعية أكبر، ويُظهره حقيقاً أكثر، بالإضافة إلى استخدام الضوء والظلّ؛ لتعزيز الأبعاد الثُّلاثية للجِداريات، وقد ساعدت هذه التقنية في الانتقال بسلاسةٍ بين الألوان والحَوافّ، ممّا أضاف إحساساً بالحجم والشكل، كما أصبح استعمال الألوان الزيتية شائعاً؛ لأنَّها تُتيح الرَّسم بطريقةٍ أكثر إبداعاً وجمالاً.
كانت الجِداريّات في عصر الباروك في القرن السابع عشر وما بعده انعكاساً للتغيُّرات السياسية والثقافية العميقة التي ظهرت في أنحاء أوروبا كلّها؛ إذ تحوَّلت إلى لوحاتٍ مُتقَنة على الأسقف والجدران، مليئة بالأشكال والألوان، وذات خداع بصري ومنظور هندسيّ دقيق جدّاً، لدرجة يبدو فيها أنّ السقف أو الجدار غير موجود أو مفتوح، كما صَوَّرت الشخصيات بحركاتٍ درامية وأحياناً خيالية، يظهرون بملابسهم المُتأثِّرة بحركاتهم؛ كتطايُرها مع الرِّيح.
الفنّ الحديث (Modern Art) مصطلح يُستخدَم لوصف مجموعة واسعة من الأساليب والحركات الفنّية التي ظهرت بين ستِّينات القرن التاسع عشر وسبعينات القرن العشرين تقريباً، ومن المهمّ ملاحظة أنَّ هذا التصنيف تصنيف تاريخي، ولا ينبغي الخلط بينه وبين الفنّ المُعاصِر (Contemporary Art) الذي يُعبّر عن الفنّ في الوقت الحاليّ.
ويتميَّز الفنّ الحديث بخروجه كثيراً عن تقاليد الفنّ القديم؛ بسبب التحوُّلات الاجتماعية العميقة التي أحدثتها الثورة الصناعية؛ نتيجة انتقال الأفراد من الأرياف إلى المُدن، ممّا أعاد تشكيل كلّ جانب من جوانب حياتهم اليومية تقريباً، كما أنّ التغيُّرات التكنولوجية والصناعية السريعة والتحضُّر ألهَمَ الفنّانين لتغيير أساليبهم الفنّية.
ويشمل الفنّ الحديث عِدّة أساليب، أبرزها: الفنّ الانطباعي الذي يُركّز على التأثير اللحظي للضوء واللون في المَشهد بدلاً من التركيز على التفاصيل الواقعية الدقيقة، والفنّ السريالي الذي يمزج بين الصور الواقعية والخيالية لتمثيل أشكال غريبة، والفنّ التعبيري الذي يُبرز مشاعر الفنّان وأفكاره، وغيرها من الأساليب.
وختاماً، يستخدم الفنّانون والهُواة الرُّسومات الجِدارية في الوقت الحالي للتعبير عن ذواتهم وأفكارهم بإبداع وابتكار، ولإضفاء لمسةٍ جمالية وحيوية على المكان؛ باستخدام تقنيات مختلفة مثل الرَّسم الحُرّ، والرَّسم الجرافيتي للكتابة على الجُدران، ولا بُدّ من اختيار موقع الجدار المُراد الرَّسم عليه بعناية؛ من حيث الإضاءة، وانسجام الألوان مع المحيط الموجود فيه، والظروف الجوّية التي قد يتعرّض لها إن كان الجدار في الخارج، واستخدام موادّ وأدوات رَسم مناسبة، والتأكُّد من تنظيف الجدار جيّداً وتجهيزه قبل البدء بالرَّسم؛ حتى لا يتشقّق الطِّلاء لاحقاً، وتكون النتيجة النهائية مُرضِية.
[1] britannica.com, cave art
[2] australian.museum, The Painter in ancient Egypt
[3] bigwalldecor.com, The History of Wall Art:From Cave Paintings to Modern Masterpieces
[4] atxfinearts.com, What Are The Main Characteristics Of Renaissance Art?
[5] visual-arts-cork.com, Baroque Painting