جار التحميل...
فيما يأتي توضيح أبرز نتائج التلوُّث، مع إلقاء الضوء على الفئات الأكثر تضرُّراً من هذه الكارثة البيئيَّة:
التلوُّث "Pollution" بأنواعه المختلفة عدوٌّ صامت يُهدِّد حياتنا اليوميَّة، ويُقصَد به دخول موادّ ضارَّة إلى البيئة تُعرَف بالمُلوِّثات؛ إذ تتسلَّل هذه الموادّ الضارَّة المُلَوِّثة إلى البيئة مُحدِثةً دَماراً لا تُحمَد عُقباه؛ سواء أكانت هذه المُلوِّثات طبيعيَّة، مثل الرماد البركانيّ، أو ناتجةً عن الأنشطة البشرية المختلفة، مثل النفايات ومُخلَّفات المصانع؛ فهي -في الحالَتَين- تُفسِد نقاء الهواء، وصفاء المياه، وخُصوبة التربة.
وببساطة، فإنَّ الأشياء التي نعتمد عليها ونعتبرها مفيدة في حياتنا اليوميَّة هي ذاتها التي تُغذِّي هذه المشكلة البيئية؛ فالسيّارات تنفث المُلوِّثات من عَوادِمِها، ومَحطّات توليد الكهرباء التي تعمل بحَرق الفَحم تملأ الهواء بالسُّموم، كما تُنتج المصانع والمنازل نفايات ومياه صرف صِحِّي تُلوِّث الأرض والمياه، وتزداد الأمور سوءاً مع تسرُّب المُبيدات الحشريَّة إلى المجاري المائيَّة، تلك السموم الكيميائيَّة التي تُستخدَم للقضاء على الأعشاب الضارَّة والحشرات مُدمِّرةً بذلك الحياة البَرِّيَّة.
فيما يتعلَّق بصِحَّتنا نحن البشر، فإنَّ المُلوِّثات البيئية عدوٌّ صامت لصِحَّتنا؛ إذ ترتبط مباشرة بتفاقُم العديد من المشكلات الصحِّية؛ فتلوُّث الهواء والضوضاء، والتلوُّث بالمعادن الثقيلة، مثل الزئبق، يُسبِّب أمراضاً عديدة؛ كالرَّبو، وفُقدان السَّمع، والجفاف، وأمراض القلب.
ويجدر التنويه إلى أنَّ تلوُّث الهواء هو الخطر البيئيّ الأبرز الذي يُهدِّد حياة البشر؛ إذ يتسبَّب في إصابتهم بأمراض الجهاز التنفُّسيّ، والقلب، والأوعية الدمويَّة، ورُبَّما الوفيات المُبكِّرة في كثير من الأحيان؛ فوفقاً لتقديرات مُنظَّمة الصحَّة العالَمِيَّة (WHO) التي نشرتها عام 2023، فإنَّ تلوُّث الهواء مسؤول عن 6.7 ملايين حالة وفاة مُبكِّرة سنويّاً.
أمّا التلوث الضوضائي الناتج عن الحركة الكثيرة والمُستَمِرَّة على الطرق السريعة، والمطارات، والشَّوارع، فيتسبَّب في فُقدان السَّمع، وطنين الأذن، واضطرابات النوم، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والصُّداع، وغيرها من المشكلات الصحِّية.
ويُمكن أيضاً للمُلوِّثات أن تتسلَّل إلى الأنهار والبُحَيرات وتصل في النهاية إلى المُحيطات الواسعة، فتتراكم بعض الموادّ الكيميائية المُستَخدَمة في الصِّناعة والزراعة في أجسام الكائنات الحيَّة من خلال عمليّات التغذية المُتبادَلة فيما يُعرَف بـ "السلاسل الغذائية"، وتنتهي هذه الموادّ في أجسامنا كذلك، علماً بأنَّ هذه الموادّ الكيميائية تترك تأثيراتٍ سلبيَّة مُتَزايِدة على صحِّتنا.
ليس الإنسان فحسب، بل الكائنات الحيَّة جميعها، من أصغر الميكروبات إلى أكبر الحيتان الزرقاء، تعتمد على نقاء موارد الأرض؛ كالهواء والماء، وعندما تفسد هذه الموارد تصبح أشكال الحياة جميعها في خطر؛ فالتلوُّث لا يُعَدّ مشكلة بيئيَّة وحسب، بل هو تهديد وجوديّ لكلّ ما هو حيّ على كوكب الأرض.
وعلى سبيل المثال، تستقرّ مُلوِّثات الهواء على المُسطَّحات المائية، ممّا يسبِّب الضرر لصحَّة الكائنات الحيَّة التي تعيش في الماء، كما تضطر الحيوانات إلى ترك بيئتها الطبيعيَّة نتيجة التلوُّث، وهذا يعني فقدانها موائِلَها الطبيعيَّة، ممّا يُهدِّد حياتها، ويجعلها عرضةً لخطر الانقراض، الأمر الذي يؤثِّر سلباً في التنوُّع البيولوجيّ على الأرض.
للتلوُّث أيضاً نتائج كارثيَّة على البيئة، ومن أبرزها مشكلة التغيُّر المناخي والظواهر المناخيَّة المُتطرِّفة -أو غير المألوفة- المُرتَبِطة به؛ كالأعاصير، والفيضانات، والجفاف، وظاهرة الاحتباس الحراريّ التي تحدث نتيجة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (غازات الدفيئة) المُلوِّثة للهواء وتراكمها في الغلاف الجوّيّ للأرض، ممّا يُؤدّي إلى ارتفاع حرارة الأرض بشكلٍ مُتزايِد، الأمر الذي يترك بدوره تأثيرات سلبية عديدة على البيئة؛ كذَوَبان الأنهار الجليديَّة، وبالتالي ارتفاع مُستَوَيات سطح البحر.
كما تتكوَّن أمطار مُحمَّلة بالأحماض تُعرَف بالأمطار الحمضيَّة عندما تتفاعل الغازات الضارَّة المُلوِّثة للهواء الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري وبعض الأنشطة الصناعية والزراعية، مثل أكاسيد النيتروجين وأكاسيد الكبريت مع جُزيئات الماء في الغلاف الجوّي، وتُسبِّب أضراراً بالغة للتربة والنباتات والمُسطَّحات المائية عند تساقُطها، بالإضافة إلى العديد من النتائج الكارثية الأخرى؛ كتدمير طبقة الأوزون، وتكوُّن الضباب الدخانيّ، وتدمير الغابات، وغيرها.
وباختصار، تُشكِّل المُلوِّثات البيئيَّة تهديداً خطيراً ومُتعدِّد الأوجه على صحَّتنا وبيئتنا، ممّا يستدعي تحرُّكاً عاجلاً لمُواجَهة هذه التحدِّيات، وحماية الأجيال الحالِيَّة والمُستقبَلِيَّة من خطرها المُتفاقِم.
يُؤثِّر تلوُّث البيئة سلباً على النُّظُم البيئيَّة والبشر والكائنات الحيَّة جميعها على كوكب الأرض -كما أوضحنا سابقاً-، وفيما يخصّ البشر، فإنَّ المَخاطِر الصحِّيَّة التي يتعرَّض لها الأشخاص نتيجة تعرُّضهم للتلوُّث، تتفاوت اعتماداً على العمر، والصحَّة العامَّة، ومكان السَّكَن، وعوامل أخرى، فمثلاً، تكون المُجتَمَعات ذات الدخل المُنخَفِض والأقلِّيات مُعرَّضة لتلوُّث الهواء وآثاره السلبيَّة أكثر؛ لعَيشهم في مناطق مُزدَحِمة ذات بُنى تحتيَّة ضعيفة ومساكن غير صِحِّيَّة في معظم الأحيان.
أمّا الفئات الأكثر عُرضة للمشاكل الصحِّية المُرتَبِطة بتلوُّث الهواء، فهم أولئك الذين يُعانون من أمراض الرِّئة؛ كالرَّبو، ومرض الانسداد الرئوي المُزمِن، والتهاب الشُّعَب الهوائية، بالإضافة إلى الأطفال، والرُّضَّع، والأجِنَّة، وكِبار السِّنّ الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً، ومرضى القلب والأوعية الدموية، والمُدخِّنِين، والذين يُمارِسون الرياضة في الهواء الطَّلْق، والذين يعملون في المِهَن التي تتعرَّض للمُلوِّثات بشكل واسع، أو الذين يتواجدون قُرب الطُّرق المُزدَحِمة والمناطق المُلوَّثة لوقتٍ طويل.
المراجع
[1] nationalgeographic.org, Pollution
[2] conferences.org, Environmental Pollution: Types, Causes and Consequences
[3] mass.gov, Health & Environmental Effects of Air Pollution
[4] enelgreenpower.com, Environmental Pollution
[5] health.nsw.gov, Who is affected by air pollution?