الغيرة عند الرجل.. فهم أسبابها وآثارها وطرق التعامل معها

وعلى الرغم ممّا سبق، إلّا أنَّه لا بُدَّ من التنويه والتأكيد في هذا الصدد على أنَّ غيرة الرجل على زوجته وأهل بيته غريزة بشريَّة موجودة فيه، وإذا كانت في مكانها الصحيح، فهي من الأمور المحمودة التي حَثَّ عليها الدين الإسلاميّ الحنيف طالما بَقِيَت ضمن إطار الوَسَطِيَّة والاعتدال، أمّا إذا تخطَّت الحدود وتجاوَزَت المنطق، فلا بُدَّ من الوقوف عليها؛ لمعرفة أسبابها، وآثارها، وكيفيَّة التعامُل معها؛ حتى تعود العلاقة بين الزوجَين إلى طريقها الصحيح.

لماذا يغار الرجل؟

تعود غيرة الرجل الزائدة على زوجته إلى مجموعة من الأسباب، ومنها ما يأتي:

الاهتمام الزائد: الحبّ لدرجة التملّك

غالباً ما تتولَّد مشاعر الغيرة لدى الرجل؛ نتيجة الحبّ الشديد لزوجته، وتعبيراً عن اهتمامه بها، فيشعر أنَّه يجب أن يُرافِقها كظِلِّها؛ حتى لا يَمَسَّها أيّ مكروه، وقد يتسلَّل إلى داخله شعور بالخوف من فُقدانها أو الابتعاد عنها، وقد يشعر أيضاً أنَّه الوحيد الذي له الحَقّ في التعامل معها، أو أنَّ حياتها وعلاقاتها كلّها ينبغي أن تتمَحور حولَه، بما في ذلك عائلتها وصديقاتها، وقد يصل إلى حَدِّ اعتبارها ملكه الخاصّ، فلا يجد وسيلة للتعبير عمّا في داخله إلّا بالغيرة والتصرُّفات المُرتَبِطة بها.

تدنّي احترام الذات: عقدة النقص بمفهوم آخر

لا يأتي تدنّي احترام الرَّجل لذاته الناجم عن ضعف الثقة بالنفس إلّا بما هو سلبي في مختلف نواحي الحياة، وخاصّةً في علاقته مع زوجته وكيفية تعامله معها؛ فشعوره بأنَّه ليس شخصاً جيِّداً بما يكفي، أو بأنَّه غير قادر على جذب الاهتمام الكامل والحبّ قد يدفعه إلى التفكير بطريقة ما يُغطِّي بها "عقدة النقص" هذه وكأنّه في مُواجَهة مع نَفسه، فيبدأ بتفسير كلّ تصرُّف أو كلمة تصدر عن زوجته بصورة سلبيَّة، ويتعامل مع المواقف العاديَّة بتوتُّر مُبالَغ فيه، الأمر الذي قد يدفعه إلى تصرُّفات تُؤثِّر سلباً في علاقته بها؛ كالتحقُّق المُستَمِرّ من هاتفها، أو الشعور بالغيرة دون سبب أو مُبرِّر.

التفكير الوسواسي: سيطرةٌ للأفكار

قد تكون الغيرة الزائدة عند الرجل أمراً لا إراديّاً؛ بمعنى أنَّه قد يعاني من التفكير الوسواسيّ؛ فيكون دائم الشكّ في تصرُّفات زوجته، وتتولَّد لديه المخاوف، ويخشى عليها من دائرتها الاجتماعيَّة، وعلاقاتها مع صديقاتها وأفراد عائلتها، ممّا يزيد شعوره بالغيرة عليها؛ نتيجة عدم قدرته على السيطرة على أفكاره ومشاعره.

هل يمكن أن تؤثر غيرة الرجل على حياته؟

هناك خيط رفيع يفصل بين الغيرة المحمودة أو "الصِّحِّيّة" كما يمكن أن يُطلَق عليها، والغيرة الزائدة المذمومة التي تُوضَع في غير مكانها، وتُؤدّي إلى خلافات وصراعات مُتكرِّرة بين الزوجَين، إذ يمكن أن تُفقِدهما الثقة؛ نتيجة بعض التصرُّفات المُزعِجة التي قد تصدر من الزوج؛ كمُراقَبة الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي باستمرار، أو عدم السماح للزوجة بالخروج من المنزل دونه.

ويُصبح من الصعب إجراء مُحادَثات صادقة ومُثمِرة بين الزوجَين عندما يكون الرجل في حالة من التوتُّر الدائم، والمرأة في حالة من الدفاع المُستَمِرّ؛ فعندما يكون الرجل غيوراً جِدّاً بدرجة زائدة عن حَدِّها، يُصبح أقلّ تفهُّماً لتصرُّفات زوجته، فيُظهِر علامات الانزعاج أو الغضب في أحاديثهما العادية اليوميَّة، ممّا يجعل الأجواء مَشحونةً بينهما على الدَّوام.

ومن ناحية أخرى، يمكن أن تترك الغيرة أثرها على صِحَّة الرجل النفسيَّة والجسديَّة أيضاً؛ لأنَّ شُعوره الزائد بالغيرة سيجعله في حالة دائمة من القلق والتوتُّر والتفكير الزائد، ممّا قد يُؤدّي إلى معاناته من صعوبة في النَّوم، أو الاكتئاب، أو الأعراض الجسديَّة الأخرى؛ كالدوخة.

كيف يمكن التعامل مع الرجل الغيور؟

على الزوجة أن تصبر وتتعامل مع زوجها الغيور بحِنكة وذكاء؛ لتجنُّب الآثار السلبيَّة التي يمكن أن تتركها الغيرة في حياتهما، ولذلك يُنصَح باتِّباع الأمور الآتية:

تفهُّم مشاعر الرجل

يقع جزء من مسؤولية الحَدّ من الغيرة الزائدة عند الرجل على عاتق الزوجة؛ إذ ينبغي أن تكون صبورة ومُتفهِّمة لزوجها، وتشجِّعه على التعبير عن مشاعره ومخاوفه بشأن طبيعة العلاقة بينهما دون جعله مَوضِع الاتّهام دائماً، كما ينبغي أن تستمع إليه بانتباه وتتعاطف معه، وتُؤكِّد له مدى حُبّها له والتزامها ناحيته، وسعيها الدائم في سبيل سعادته، فهذا كُلّه يُسهم في إشعاره بالأمان والطمأنينة، ممّا قد يُخفِّف مشاعر الغيرة والشَّكّ التي تتسلَّل إليه.

معرفة سبب الغيرة

في أيّ مشكلة يُواجِهها الزوجان وتُؤثِّر على حياتهما، ينبغي أن يعرفا سببها أوَّلاً؛ حتى يتمكَّنا من التعامل معها بنجاح، وهذا ينطبق أيضاً على موضوع الغيرة؛ فعند معرفة الزوجة السبب الجذريّ لها، عليها أن تحاول تفاديها، أو البحث عن حلول ونصائح عمليَّة يُمكنها تطبيقها؛ للتغلُّب عليها، وعلى تأثيرها السلبيّ في حياتها الزوجيَّة.

وضع الحدود

في جلسة حوارية مفتوحة وصادقة بين الرجل وزوجته، لا بُدَّ أن تُوضَع النقاط على الحروف، بحيث يتَّفِقان على حدود واضحة تحكم العلاقة بينهما، والسلوكات المقبولة والمرفوضة بالنسبة إليهما، وطريقة التعامل الصحيحة في المواقف المختلفة التي تُثار فيها مشاعر الغيرة عند الرجل، بالإضافة إلى التأكيد على وجود الثقة المُتَبادَلة بينهما، ومُناقَشة طُرُق الحفاظ عليها. 

طلب الاستشارة المهنية

إن كانت الغيرة تُؤثِّر على العلاقة بين الزوجين بدرجة كبيرة، مع عدم القدرة على التغلُّب عليها أو التعامل معها بالطريقة الصحيحة، فيمكن اللجوء حينها إلى مُعالِج أو مُستَشار نفسيّ، وطلب المساعدة منه، الأمر الذي من شأنه أن يساعد على توضيح استراتيجيّات مُعيَّنة لإدارة الغيرة، والتغلُّب عليها بفاعِليَّة.

المراجع
[1] centerstone.org, Jealousy And Relationships
[2] psychologytoday.com, 3 Prime Reasons Why People Get Jealous
[3] verywellmind.com, Feeling Jealous in a Relationship is Tough, Here's How to Cope
[4] personalityunleashed.com, Why Do Men Get Jealous: Understanding the Root Causes
[5] simplypsychology.org, Signs Of Jealousy In A Man: How To Know Your Partner Is Jealous