مجالات استخدام الذكاء الاصطناعي وأمثلة عليها

وفي ظل التطور والثورة التكنولوجية التي يشهدها العصر الحالي حاز الذكاء الاصطناعي على مكانة متقدّمة؛ إذ تشير التوقعات حسب ما ورد عن شركة ستاتيستا "Statista" الألمانية المتخصصة في بيانات الأسواق أنّه بحلول عام 2025 ستصل إيرادات سوق برمجيات الذكاء الاصطناعي في مختلف أنحاء العالم إلى ما يقارب 126 مليار دولار.

كما كشف استطلاع للرأي عن الطلب المتزايد على الذكاء الاصطناعي، والذي أجرته شركة الخدمات المهنية إرنست آند يونغ "EY" عام 2023 على 254 شخصاً من قادة التكنولوجيا، وجدت أنّ 90% من المشاركين يستخدمون منصات الذكاء الاصطناعي، مثل: ChatGPT، وBing Chat، منهم 80% يخططون لزيادة استثماراتهم فيه في العام المُقبل.

الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية

بدأ الذكاء الاصطناعي شيئاً فشيئاً بالاستحواذ على مختلف المجالات والقطاعات، وعند النظر بتمعّن يمكن ملاحظة أنه موجود في الحياة اليومية بصور وتطبيقات مختلفة، ومن الأمثلة على ذلك:

منصات التواصل الاجتماعي

هل فكّرت يومًا كيف تعرف منصّات التواصل الاجتماعي المختلفة مثل "Facebook" و"Instagram" ما يُثير اهتمامك؟ كأن يظهر لك على صفحاتها المحتوى الذي تريده، أو تحدّثت عنه يوماً دون أن تطلب أنت ذلك.

يعود الفضل في ذلك إلى الذكاء الاصطناعي وخوارزمياته، التي ساعدت هذه المنصات على تحليل نشاط الشخص عليها واهتماماته، وتحليل الأصوات لإظهار النتيجة التي يريدها.

التعرّف إلى الوجه

لأنّ الحفاظ على خصوصية الأجهزة الإلكترونية أولوية فقد منحنا الذكاء الاصطناعي ميزة سهلة وذكية في أجهزة الهاتف المحمول وأجهزة الحاسوب، وهي إمكانية فتح الجهاز عند وضع الوجه أمامه فقط، من خلال خاصيّة بصمة الوجه، التي تستخدم تقنيات وأدوات محددة تخزّن إحداثيات الوجه للتعرّف إليها في كل مرّة يُفتح الجهاز.

المساعد الرقمي

إنّ سرعة عجلة الحياة وكثرة ارتباطاتها قد تُدخلك في حالة من التشتت والفوضى، فتحتاج إلى من يُنظّم لك الجدول اليومي والمواعيد المختلفة، وينفّذ بعض الأمور التي تريد تنفيذها ولا تجد لها وقتاً، لذلك نجد في الهواتف الذكية تقنيات تعتمد على الذكاء الاصطناعي تعطيها أوامر صوتية فتنفذ ما طلبت.

مثلاً إذا طلب أحد حاملي هاتف الآيفون من المساعد الرقمي "Siri" الاتصال بشخص معين فإنه سيبحث في جهات الاتصال لديه ويحلل البيانات فيها ويطلبه على الفور، أو قد يطلب منه أن ينظّم المواعيد فيقول له: "أضف اجتماعاً يوم الأربعاء الساعة التاسعة صباحاً"، فيسجل هذه المعلومة في التقويم حتى يذكّره بها عندما يحين الوقت.

الاصطناعي في التعليم

حظي قطاع التعليم بنصيبه من الذكاء الاصطناعي ودخلت إليه تقنيات عديدة مميزة، ومن الأمثلة عليها:

الدروس الخصوصية

بدأ في الآونة الأخيرة الاهتمام بالدروس التعليمية الخصوصية لدى فئة واسعة من الطلاب بهدف رفع مستواهم التعليمي، وفي ظلّ هذه الحاجة برع الذكاء الاصطناعي في مساعدته لهم، فنشأت أنظمة تدريس ذكية "Intelligent Tutoring Systems" اختصارها (ITS) تُقدّم دروساً خاصّةً لمختلف الصفوف وفي مختلف المواد للطالب. 

ومن الأمثلة عليها برنامج كارنيجي للتعلم "Carnegie Learning"، الذي يساعد الطالب في الرياضيات، ومواضيع أخرى من العلوم، ولغات العالم، وغيرها، فيقدّم تمارين مخصصة للطالب وفق مستواه، والكثير من الخدمات التعليمية الأخرى.

ومن الأمثلة أيضاً تقنية "Khanmigo" المدعومة بـ GPT-4، والتي جرى تضمينها في موقع خان أكاديمي للمحتوى التعليمي، وهي تقنية تساعد الطلبة في دروسهم، وتستقبل التعليقات والأسئلة منهم، وتُجيبهم عنها.

يندرج تحت هذا البند أيضاً عرض المحتوى التعليمي بالتقنيات الذكية، من خلال مقاطع الفيديو الإبداعية، والملخّصات الصوتية، وحتى إجراء الاختبارات لتجربة تعليمية غنية ومتكاملة.

وضمن جهود دولة الإمارات العربية المتحدة في التنمية والتطوير في مختلف القطاعات جاءت المدرسة الرقمية التي تعدّ أول مدرسة متكاملة مجهزة رقمياً، لتُعنى بالتعلّم الرقمي والهجين بطريقة ذكية ومرنة؛ إذ إنها توفر المواد التعليمية المتوافقة مع المناهج الوطنية والدولية، والعمليات التعليمية المختلفة، وتهدف إلى تسليح الطلّاب بمهارات التعلم الذاتي مدى الحياة، من خلال معلمين رقميين مُدرَّبين ومؤهلين.

مساعدة المعلمين في مهامهم

تتضمن مهنة التعليم أداء مهام عديدة بالإضافة إلى إعطاء الدروس، كإرسال الواجبات الدراسية للطلاب وتصحيحها، ورصد العلامات، وتقييم أداء الطلاب والتعرّف إلى نقاط الضعف لديهم، والتي أصبح بالإمكان إتمامها عن طريق تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة، مما يُساهم في تقليل وقت المهام الروتينية.

من الأمثلة على ذلك برنامج "Gradescope" الذي يساعد المعلّم على تحميل الواجبات عبر الإنترنت وتصحيحها، وتقييم الطّلاب من خلال علاماتهم وإجاباتهم مدعّماً بتقنيات الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي ساهم في تحسين جودة التعليم.

التعليم الدامج

هو الذي يُعنى بذوي الإعاقة، فلم يغفل المختصون في الذكاء الاصطناعي عن الطلاب من هذه الفئة، ممن يعانون من إعاقات سمعية، أو بصرية، أو إدراكية، فخُصِّصت لهم برامج مساعدة وأدوات ذكية عديدة، وأجهزة مُساندة أيضاً يمكن استخدامها في الفصول الدراسية؛ للاندماج في العملية التعليمية والمشاركة في أنشطتها المختلفة.

فمثلاً برنامج "Nuance" يساعد الطلاب الذين يعانون من صعوبة في الكتابة، من خلال تحويل الكلام الشفهي إلى نصوص مكتوبة على الجهاز، ويساعد الذين يعانون من ضعف النظر بإصدار أوامر صوتية للجهاز لينفذ مهام معينة، وغيرها من الميزات. 

كشف السرقات العلمية

وقف الذكاء الاصطناعي بالتقنيات المتعددة التي يحتويها جنباً إلى جنب مع المؤسسات التعليمية والأكاديمية في مواجهة المخاطر والسرقات العلمية المحتملة، والحفاظ على بياناتها ومعلوماتها الخاصة.

ومن الأدوات التي يمكن استخدامها برنامج "Turnitin" الذي يساعد الطلاب والباحثين على التأكد من أصالة الأبحاث، من خلال تحليل الجمل والكلمات في البحث باستخدام تقنيات متقدمة بمعالجة اللغة الطبيعية (NLP)، ومقارنتها مع قاعدة البيانات التي تحتوي على ملايين الأبحاث والمقالات المنشورة على الإنترنت؛ للكشف عن التشابه بين النصوص.

إضافة إلى كل هذه التقنيات المستخدمة في المسيرة التعليمية توجد تطبيقات للذكاء الاصطناعي في عملية التوظيف بعد التخرج من الجامعة، فعلى سبيل المثال يساعد نظام اسمه "نظام استقطاب" الذي يعتمد على تقنية الذكاء الاصطناعي والتابع للهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية في دولة الإمارات، على فرز طلبات المتقدمين للوظائف المخزّنة في قواعد البيانات، واختيار المرشحين الأفضل للوظائف المطروحة، مما يساهم في توفير الوقت والجهد وحصر الكفاءات واختيار أفضلها.

الذكاء الاصطناعي في الصحة

كغيره من القطاعات أدخلَ المختصّون والقائمون على قطاع الصحة إليه تقنيات الذكاء الاصطناعي، وكان ذلك من خلال ما يأتي:

كشف الأمراض وتشخيصها

تُقدّم تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة والأجهزة الذكية مساعدتها للأطباء في جمع المعلومات عن مختلف الأمراض والحالات الصحية وأعراضها، الأمر الذي يساعد على اكتشافها وتشخيصها، كشركة التكنولوجيا الطبية "Merative"، التي تساعد مؤسسات الرعاية الطبية على الاطلاع على البيانات الطبية الموجودة في السجلات الطبية والمجلات الصحية في مختلف أنحاء العالم؛ لدراسة الحالة الطبية بتفاصيلها.

كما دخل الذكاء الاصطناعي إلى مجال التصوير الطبي وجعله أكثر كفاءة ودقة، فعلى سبيل المثال موقع الأبحاث العلمية "DeepMind Health" الذي أطلقه غوغل يساعد الأطباء على الاكتشاف المبكر للمرض بسرعة تعادل 48 ساعة من تشخيصه على أرض الواقع؛ لتقديم العلاج في الوقت المناسب ومنع تدهور الحالة، كما تتوفر فيه تقنيات بإمكانها تحليل فحوصات شبكية العين، والكشف عن الأمراض التي قد يكون الشخص مصاباً بها.

ومن الأمثلة الحية في هذا المجال استخدام مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية "EHS" خوارزميات الذكاء الاصطناعي في أجهزة التصوير الإشعاعي للثدي؛ للمساعدة على الكشف المبكر عن سرطان الثدي وجعل فرصة العلاج أكبر للكثير من المرضى.

إدارة البيانات الطبية

من خلال برامج الدردشة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والمساعدين الرقميين مثل المُساعد "Babylon Health" قلّ العبء على الأطباء فيما يتعلق بآلية حجز المواعيد، وحفظ معلومات المريض الطبية، وسهولة الرجوع إليها، كما جرى تطوير برنامج يعمل بالذكاء الاصطناعي للرد على مكالمات الطوارئ، يمكنه الكشف عن حدوث سكتة قلبية أثناء المكالمة أسرع من الأشخاص.

وفي دولة الإمارات العربية المتحدة أدخلت مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية تقنيات الذكاء الاصطناعي إليها بما يتلاءم مع بنيتها التحتية المتطورة والخدمات التي تُقدّمها؛ بهدف تعزيز جودة الخدمات المقدمة للمرضى والحفاظ على سلامتهم، وتحسين كفاءة العمليات، ومن المشاريع التي أطلقتها في هذا المجال نظام التعرفة الصوتي، الذي يساعد الأطباء على إدخال البيانات الصحية باستخدام الأوامر الصوتية، مما يوفر الوقت ويسمح لهم بالتركيز على تقديم رعاية أكبر للمرضى.

مراقبة العلامات الحيوية للجسم 

يمكن من خلال أجهزة الذكاء الاصطناعي قياس العلامات الحيوية للجسم ومراقبتها، وإعطاء التنبيهات بضرورة المراجعة الطبية في حال وجود أي خلل، كنبضات القلب، ومعدل ضغط الدم، ومعدل النوم، وذلك من خلال أجهزة يمكن ارتداؤها، كالساعات الذكية، أو السِوار الذكي، مثل "Apple Watch"، و"Fitbit".

وفي هذا الإطار تصدرت مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية باستخدام أجهزة طبية متقدمة تُسمى "مضخات الأنسولين"، والتي تعمل بالذكاء الاصطناعي مثل نظام "MinimedTM 780G"، فهذه التقنية تشبه عمل البنكرياس الطبيعي في جسم الإنسان، تهدف إلى الحفاظ على التوازن بين الأنسولين والجلوكوز، لذا تساعد خوارزميات الذكاء الاصطناعي على منع انخفاض مستويات السكر في الدم، بالتالي تعزيز جودة الحياة وسلامة المرضى.

كما استخدمت مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية خوارزميات الذكاء الاصطناعي في أجهزة مراقبة دقات القلب لجعل التدخل الطبي أسرع في الحالات الحرجة عند إصدار تحذيرات صوتية في حال وصل المريض إلى مرحلة الخطر.

الذكاء الاصطناعي في الزراعة

قد يكون أمراً غريباً أن يصل تدخّل الذكاء الاصطناعي في الحياة إلى قطاع الزراعة، لكنّه أمر موجود على أرض الواقع، وقد تمثّل ذلك بصور عديدة، منها استخدام الجرارات الزراعية ذاتية القيادة، وتوظيف الروبوتات لحصد المحاصيل، واستخدام الأجهزة الذكية للكشف عن عيوب التربة، ونقص العناصر الغذائية فيها، ومراقبة الظروف الصحية للمحاصيل ووقت حصادها، ومراقبة الحالة الجوية، وإعطاء التنبيهات للمزارعين بخصوصها.

ومن الأمثلة على ذلك جهاز "See & Spray" الزراعي، الذي يعمل بتقنية وتكنولوجيا متطورة، تعتمد على الرؤية الحاسوبية للكشف عن الأعشاب الضارة، ورشّها في بعض أنواع الأراضي والمزروعات، من خلال تحليل خوارزميات الصور الملتقطة من الطائرات دون طيار.

أما في دولة الإمارات العربية المتحدة فمن الأمثلة على استخدام الذكاء الاصطناعي في قطاع الزراعة الجهاز الخاص بالزراعة الحديثة الذي ابتكره إبراهيم يوسف العبيدلي، مؤسس "مؤسسة أرضية الإبداع للحلول المعلوماتية"، يحدد هذا الجهاز نوع النبات المناسب للزراعة واحتياجه للمياه بالكمية والوقت المناسبين، كما يراقب درجات الحرارة ورطوبة التربة، ويسمح للمزارع رؤية محصوله بالرغم من بُعده عنه عن طريق الكاميرا المثبتة به، ويعطيه معلومات دقيقة حول وقت قطف الثمار، من خلال وصول رسالة تخبره بذلك.

الذكاء الاصطناعي في الملاحة والنقل

تسهيل الحياة وتبسيطها من الأهداف التي يسعى الذكاء الاصطناعي إلى تحقيقها، ومن المجالات التي أصبح مستخدماً فيها لتحقيق هذا الهدف مجال النقل والملاحة، وتمثل ذلك بنظام تحديد المواقع، والتقنيات الأخرى التي تستخدمها الشركات اللوجستية وشركات الشحن لتحسين مسار المركبات، بالإضافة إلى أنظمة التحكم والمراقبة المرورية المتطورة، وأنظمة مراقبة الحوادث، والاستجابة السريعة.

ففي أبحاث أجراها معهد ماساتشوستس "MIT" للتكنولوجيا تبيّن أنّ نظام تحديد المواقع العالمي GPS يزوّد المستخدمين بمعلومات دقيقة وفي الوقت المناسب بدرجة عالية، كالطريق الأنسب والأسرع لسلوكه، وتقديم المعلومات حول الحالة المرورية، وغيرها، وهذا يدل على أهمية الذكاء الاصطناعي في التنقل.

من الأمثلة الحية على ذلك منصة "City Brain" في الصين، وهي منصة مخصصة لإدارة حركة المرور مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تجمع البيانات المرورية من مصادر مختلفة، مثل كاميرات المراقبة، وأجهزة GPS، وأنظمة النقل العام؛ لتحسين توقيت إشارات المرور، وإدارة حركة المرور في المدن، وغيرها من الميزات. 

الذكاء الاصطناعي في الخدمات المصرفية

الطابور الطويل الذي كان يُرهقك عند الذهاب إلى البنك لإتمام بعض العمليات المصرفية على وشك الاختفاء؛ فقد دخل الذكاء الاصطناعي إلى عالم الخدمات المصرفية بقوّة، وأصبح بالإمكان إتمام الكثير من العمليات في البنوك دون الحاجة إلى الوجود الفعلي في المكان، وذلك من خلال روبوتات الدردشة المدعّمة بالذكاء الاصطناعي، والتي تعمل على مدار الساعة وفي مختلف أيام الأسبوع. 

ومن الأمثلة على ذلك برنامج الدردشة الآلي "Erica" المقدم من "Bank of America"، والذي ساعد على تحديث البيانات والأمان لبطاقات الائتمان للعملاء بكفاءة ودقة، وغير ذلك من المعاملات، وحسب تقرير صادر عن "Bank of America" ساعد هذا البرنامج ما يقارب 32 مليوناً شخصاً من عملاء البنك على إدارة حياتهم المالية.

ولم تكن هذه المجالات والتطبيقات وحدها التي وصل إليها الذكاء الاصطناعي، فهناك الكثير والكثير من الأمثلة في مختلف المجالات، لكن لم تسعنا السطور للتطرق إليها جميعها.

 

المراجع:

[1] ehs.gov.ae, الذكاء الاصطناعي (AI)
[2] fahr.gov.ae,ما هو نظام استقطاب؟ 
[3] simplilearn.com,18 Cutting-Edge Artificial Intelligence Applications in 2024
[4] techtarget.com,15 top applications of artificial intelligence in business
[5] europarl.europa.eu,What is artificial intelligence and how is it used?