إن الأذن الداخلية هي بنية معقدة على المستويين الخلوي والجزيئي، حيث تلعب العديد من الجينات والبروتينات المختلفة أدواراً في تطوير وصيانة هذا الجهاز الحسي، ولهذا فإن أي خلل في أي من هذه المكونات يمكن أن يؤدي إلى ضعف في السمع.
وهذا الضعف في السمع يشمل مجموعة متنوعة من الاضطرابات غير المتجانسة إكلينيكياً وجينياً، ولذلك فإن فهم هذه الأسباب الوراثية وآلياتها الفيزيولوجية المرضية، وتوصيف الأنماط الظاهرية الناتجة عنها، يعد أمرً ضرورياً لتطوير علاجات جديدة تستهدف العيوب الجينية.
ويمكن تقسيم الـ 25 السنة الماضية، من سنة 1997 عند اكتشاف الجين الأكثر شيوعاً في العالم (جين GJB2) إلى يومنا هذا، إلى فترتين: فترة ما قبل اكتشاف تقنية تسلسل الجيل القادم (تسلسل كامل الإكسوم/الجينوم إلخ...) وفترة ما بعد اكتشافه واستخدامه.
فالفترة الأولى، كانت تتسم بطول المدة بين تشخيص المرض وتحديد الطفرة الجينية، والجين المسؤول عن المرض، ففي معظم الحالات، كانت تتعدى الأعوام، لأن الطريقة المثلى كانت تقوم بتحديد موقع الجين، وذلك باستخدام علامات وراثية، ثم القيام بتحليل التسلسل الجيني لكل جين يتموضع في هذا الموقع.
ومن ثم، يتم استخدام نماذج حيوانية (كالفئران) لدراسة الوظيفة والفيزيولوجيا المرضية للجينات المرتبطة بفقدان حاسة السمع لدى البشر.
أما بالنسبة للفترة الثانية، أصبح بالإمكان تحديد الطفرة الوراثية في غضون أشهر، وذلك باستخدام تقنية تسلسل الجيل القادم، مما فتح المجال للعلماء للذهاب إلى مرحلة ما بعد تحديد الطفرات، وهي مرحلة تمتاز حالياً بتحديد آليات التعديل الجيني باستعمال تقنيات متعددة، منها على سبيل الذكر لا الحصر، تقنية كريسبر كاس 9.
وتوفر الدراسات الوبائية بيانات مفيدة حول الجينات والمتغيرات الجينية المسببة التي تشارك بشكل متكرر في الصمم الوراثي في كل مجموعة سكانية، ووفقاً لذلك، يمكن تكييف استراتيجيات التشخيص الجيني مع تلك الخصائص، ومع موارد ومرافق مختلف خدمات علم الوراثة.
ومن هذا المنطلق قام فريق بحثي من كلية العلوم بجامعة الشارقة، بدراسة 101 من المرضى المصابين بالصمم الوراثي باستخدام تقنية تسلسل سانجر لمنطقة ترميزالجين الأكثر شيوعاً في العالم (جين GJB2).
ومن خلال هذه الدراسة، تم العثور على طفرات في حوالي 23 % من الحالات، وكانت الطفرة ((c.35delG هي الأكثر شيوعاً" (82% من طفرات هذا الجين)، وهي أرقام مشابهة لتلك التي لوحظت في العديد من المجموعات السكانية الأخرى.
وباستخدام تقنية تسلسل الجيل القادم، تمكن الفريق العلمي أيضاً من اكتشاف العشرات من الطفرات الجينية الجديدة لدى المصابين من دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو يعمل حالياً على إيجاد طرق مبتكرة من شأنها المساعدة على تعديل العيوب الجينية لدى المصابين، وكذلك يقوم بالتشخيص المبكر للصمم الوراثي، وتقديم النصيحة الوراثية للعائلات والأزواج.
ويعد هذا البحث مثالاً من العديد من البحوث التي تقدمها كلية العلوم بجامعة الشارقة لخدمة المجتمع، والتي تشمل العديد من المجالات كالصحة، والطاقة، والاقتصاد، والمحيط، والأمن الغذائي إلخ.
كما تقوم كلية العلوم بجامعة الشارقة حالياً، بإعادة هيكلة برامجها الأكاديمية قصد إنشاء جيل من الخرجين قادر على مجابهة التحديات المستقبلية، وابتكار حلول لخدمة المجتمع.